كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

عزعز و جل به الاثابة والمعاقبة إلى آخر ما قال وهو يدل على أنه فرض اليوم ممتدا شاملا لزمان النفختين وما بعدهما المصادر التي تؤكد مضمون الجملة وجد الجمل مصرحا بها لم يرد الحذف في شيء منها وجعل المصدر مؤكدا لهذا المحذوف المدلول عليه بالتفصيل في قوله تعالى الآتي : من جاء ومن جاء وباستدعاء يوم ينفخ ناصبا وفرع عليه ما فرع وتعقبه أبو حيان بأن المصدر المؤكد لمضمون الجملة لايجوز حذف جملته لأنه منصوب بفعل من لفظه فيجتمع حذف الفعل الناصب وحذف الجملة التي أكد مضمونها بالمصدر وذلك حذف كثير مخل ومن تتبع مساق هذه المصادر التي تؤكد مضمون الجملة وجد الجمل مصرحا بها لم يرد الحذف في شيء منها إد الأصل أن لايحذف المؤكد إد الحذف ينافي التأكيد لأنه من حيث أكد معتنى به ومن حيث حذف غير معتنى به وكأن الداعي له إلى العدول عن الظاهر على ما قيل أن الصنع المتقن لايناسب تسيير الجبال ظاهرا وأنت تعلم أن هذا على طرف الثمام نعم الأحسن جعله مؤكدا لمضمون ما ذكر من النفخ في الصور وما بعده وجيء به للتنبيه على عظ شأن تلك الأفاعيل على ما سمعته عن بعض المحققين وقيل هو منصوب وما بعده وجيء به للتنبيه على عظم شأن تلك الأفاعيل على ما سمعته عن بعض المحققين وقيل هو منصوب على الاغراء بمعنى انظروا صنع الله وهو كما ترى واستدل بالآية على جواز إطلاق الصانع على الله عز و جل وهو مبني على مذهب من يرى أن ورود الفعل كاف
واستدل بعضهم على الجواز المذكور بالخبر الصحيح إن الله صانع كل صانع وصنعته وتعقب بأن الشرط أن لايكون الوارد على جهة المقابلة نحو أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون خلافا للحليمي على ما يقتضيه قوله يستحب لمن ألقى بذرا في أرض أن يقول الله تعالى الزارع والمنبت والمبلغ وما في هذا الحديث من هذا القبيل وأيضا ما في الخبر بالاضافة فلا يدل على جواز الخالي عنها ألا ترى أن قوله صلى الله تعالى عليه وسلم يا صاحب كل نجوى أنت الصاحب في السفر لم يأخذوا منه أن الصاحب من غير قيد من أسمائه تعالى فكذا هو لايؤخذ منه أن الصانع من غير قيد من أسمائه تعالى فتأمله ونحو هذا الاستدلال بخبر مسلم ليعزم في الدعاء فان الله تعالى فاتح لكم وصانع ولا فرق بين المعرف والمنكر عند الفقهاء لأن تعريف المنكر لايغير معناه ولذا يجوزون في تكبيرة الاحرام : الله أكبر
واستدل القاضي عبد الجبار بعموم قوله سبحانه أتقن كل شيء على أن قبائح العبد ليست من خلقه سبحانه وإلا وجب وصفها بأنها متقنة والاجماع ما نع منه وأجيب بأن الآية مخصوصة بغير الاعراض لأن الاتقان بمعنى الاحكام وهو من أوصاف المركبات ولو سلم فوصف كل الاعراض به ممنوع فما من عام إلا وقد خص ولو سلم فالاجماع المذكور ممنوع بل هي متقنة أيضا بمعنى الحكمة إقتضتها إنه خبير بما تفعلون جعله بعض المحققين تعليلا لكون ما ذكر من النفخ في الصور وما بعده صنعا محكما له تعالى ببيان أن علمه تعالى بظواهر افعال المكلفين وبواطنها مما يستدعي إظهارها وبيان كيفياتها على ما هي عليه من الحسن والسوء وترتيب أخيريتها عليها بعد بعثهم وحشرهم وتسيير الجبال حسبما نطق به التنزيل وقوله تعالى : من جاء بالحسنة فله خير منها بيانا لما أشير إليه باحاطة علمه تعالى بأفعالهم من ترتيب أخيريتها عليها وقال العلامة الطيبي قوله تعالى إن الله الخ استئناف وقع جوابا لقول من يسأل فماذا يكون بعد هذه القوارع فقيل إن الله خبير بعمل العاملين فيجازيهم على أعمالهم وفصل ذلك بقوله سبحانه من جاء الخ والخطاب في تفعلون لجميع المكلفين وقرأ العربيان وابن كثير يفعلون بياء الغيبة والمراد بالحسنة على ما روي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والحسن

الصفحة 36