كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

والنخعي وأبي صالح وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة شهادة أن لا إله إلا الله وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابي هريرة وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسرها بذلك والمراد بهذه الشهادة التوحيد المقبول وقيل المراد بالحسنة ما يتحقق بما ذكر وغيره من الحسنات وهو الظاهر نظرا إلى أن اللام حقيقة في الجنس وقال بعضهم : الظاهر الأول لأن الظاهر حمل المطلق على الكامل وأكمل جنس الحسنة التوحيد ولو أريد العموم لكان الظاهر الاتيان بالنكرة ويكفي في ترجيح الأول ذهاب أكثر السلف إليه وإذا صح الحديث فيه لايكاد يعده عنه وكان النخعي يحلف على ذلك ولا يستثني والظاهر أن خيرا التفضيل وفضل الجزاء على الحسنة كائنة ما كانت قيل باعتبار الأضعاف أو باعتبار الدوام وزعم بعضهم أن الكلام بتقدير مضاف أي خير من قدرها وهو كما ترى وقال بعض ألاجل ثواب المعرفة النظرية والتوحيد الحاصل في الدنيا هي المعرفة الضرورية على أكمل الوجوه في الآخرة والنظر إلى وجهه الكريم جل جلاله وذلك أشرف السعادات وقيل : إن خيرا ليس للتفضيل ومن الابتداء الغاية أي فله خير من الخيور مبدؤه ومنشؤه منها أي من جهة الحسنة وروي ذلك عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وابن جريج وعكرمة وهم أي الذين جاءوا بالحسنة من فزع أي فزع عظيم هائل لايقادر قدره يومئذ ظرف منصوب بقوله تعالى آمنون وبه أيضا يتعلق من فزع والأمن يستعمل بالجار وبدونه كما في قوله أفأمنوا مكر الله وجوز أن يكون الظرف منصوبا بفزع وأن يكون منصوبا بمحذوف وقع صفة له أي من فزع كائن في ذلك الوقت وقرأ العربيان وابن كثير واسمعيل بن جعفر عن نافع فزع يومئذ بإضافة فزع إلى يوم وكسر ميم يوم وقرأ نافع في غير رواية إسمعيل كذلك إلا أنه فتح الميم فتح بناء لإضافة يوم إلى غير متمكن وتنوين إذ للتعويض عن جملة والأولى على ما في البحر أن تكون الجملة المحذوفة المعوض هو عنها ما قرب من الظرف أي يوم إذ جاء بالحسنة وجوز أن يكون التقدير يوم إذ ينفخ في الصور لاسيما إذا أريد بذلك النفخ النفخة الثانية واقتصر عليه شيخ الاسلام وفسر الفزع بالفزع الحاصل من مشاهدة العذاب بعد تمام المحاسبة وظهور الحسنات والسيئات وهو الذي في قوله تعالى : لايحزنهم الفزع الأكبر وحكي عن الحسن أن ذاك حين يؤمر بالعبد إلى النار وعن ابن جريج أنه حين يذبح الموت وينادى يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت وهو كذلك في قراءة التنوين وقراءة الإضافة ولا يراد به في القراءة الثانية جميع الأفزاع الحاصلة يومئذ ومدار الاضافة كون ذلك أعظم الأفزاع وأكبرها كأن ما عداه ليس بفزع بالنسبة اليه وقال تبعا لغيره إن الفزع المدلول عليه بقوله تعالى : ففزع الخ ليس إلا التهيب والرعب الحاصل في ابتداء الاحساس بالشيء الهائل ولا يكاد يخلو منه أحد بحكم الجبلة وإن كان آنا من لحاق الضرر به
وقال أبو علي : يجوز أن يراد بالفزع في القراءتين فزع واحد وأن يراد به الكثرة لأنه مصدر فان أريد الكثرة شمل كل فزع يكون في القيامة وإن أريد الواحد فهو الذي أشير اليه بقوله تعالى لايحزنهم الفزع الأكبر وسيأتي إنشاء الله تعالى قريبا للكلام في الآية ومن جاء بالسيئة وهو الشرك وبه فسرها من فسر الحسنة بشهادة أن لا إله إلا الله وقد علمت من هم وقيل : المراد بها ما يعم الشرك وغيره من السيئات : فكبت وجوههم في النار أي كبوا فيها على وجوههم منكوسين فاسناد الكب إلى الوجوه مجازي لأنه

الصفحة 37