كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

يقال كبه وأكبه إذا نكسه وقيل : يجوز أن يراد بالوجوه الانفس كما أريدت بالايدي في قوله تعالى : ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة أي فكبت أنفسهم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون
9
- على الالتفات للتشديد أو على اضمار القول أي مقولا لهم ذلك فلا التفات فيه لأنه في كلام آخر ومن شروط الالتفات اتحاد الكلامين كما حقق في المعاني واستدل بعض المرجئة القائلين بأنه لايضر مع الايمان معصية كما لاينفع مع الكفر طاعة بقوله تعالى : من جاء بالحسنة الخ على أن المؤمن العاصي لايعذب يوم القيامة والا لم يكن آمنا من فزع مشاهدة العذاب يومئذ وهو خلاف ما دلت عليه الآية الكريمة وأجيب بمنع دخول المؤمن العاصي في عموم الآية لأن المراد بالحسنة الكاملة وهو الايمان الذي تدنسه معصية وذلك غير متحقق فيه أو لأن المتبادر المجيء بالحسنة غير مشوبة بسيئة وهو أيضا غير متحقق فيه ومن تحقق فيه فهو آمن من ذلك الفزع بل لايبعد أن يكون آمنا من كل فزع من أفزاع يوم القيامة وإن سلم الدخول قلنا المراد بالفزع الآمن منه من جاء بالحسنة ما يكون حين يذبح الموت وينادي المنادي يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت كما سمعت عن ابن جريج أو حين تطبق جهنم على أهلها فيفزعون كما روي عن الكلبي وليس ذلك الا بعد تكامل أهل الجنة دخولا الجنة والعذاب الذي يكون لبعض عصاة المؤمنين إنما هو قبل ذلك والآية لاتدل على نفيه بوجه من الوجوه
وأجاب بعضهم بأنه يجوز أن يكون المؤمن العاصي آمنا من فزع مشاهدة العذاب وأن عذب لعلمه بأنه لايخلد فيعد عذابه كالمشاق التي يتكلفها المحب في طريق وصال المحبوب وهذا في غاية السقوط كما لايخفى
واستدل بعض المعتزلة بقوله تعالى : من جاء بالسيئة الخ على عدم الفرق بين عذاب الكافر وعذاب المؤمن العاصي لأن من جاء بالسيئة يعمهما وقد أثبت له الكب على الوجوه في النار فحيث كان ذلك بالنسبة إلى الكافر على وجه الخلود كان بالنسبة إلى المؤمن العاصي كذلك وأجيب بأن المراد بالسيئة الاشراك كما روي تفسيرها به عن أكثر سلف الأمة فلا يدخل المؤمن العاصي فيمن جاء بالسيئة ولو سلم دخوله بناء ا على القول بعموم السيئة فلا نسلم أن في الآية دلالة على خلوده في النار وكون الكب في النار بالنسبة إلى الكافر على وجه الخلود لايقتضي أن يكون بالنسبة اليه كذلك فكثيرا ما يحكم على جماعة بأمر كلي ويكون الثابت لبعضهم نوعا وللبعض الآخر نوعا آخر منه وهذا مما لاريب فيه ثم إن الآية من باب الوعيد فيجري فيها على تقدير دخول المؤمن العاصي في عموم من قاله الأشاعرة في آيات الوعيد فافهم وتأمل
إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها استئناف بتقدير قل قبله وهو أمر له عليه الصلاة و السلام بأن يقول لهؤلاء الكفرة ذلك بعد ما بين لهم أحوال المبدأ والمعاد وشرح أحوال القيامة إثارة لهممهم بألطف وجه إلى أن يشتغلوا بتدارك أحوالهم وتحصيل ما ينفعهم والتوجه نحو التدبر فيما قرع أسماعهم من الآيات الباهرة الكافية في إرشادهم والشافية لعللهم والبلدة على ما روي عن ابن عباس وقتادة وغيرهما هي مكة المعظمة وفي تأريخ مكة أنها منى قال حدثنا يحيى بن ميسرة عن خلاد بن يحيى عن سفيان أنه قال : البلدة منى والعرب تسميها بلدة إلى الأن
وأخرج ابن ابي حاتم عن أبي العالية تفسيرها بذلك أيضا وذكر بعض الأجلة أن أكثر المفسرين على

الصفحة 38