كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

الأول وتخصيصها بالاضافة لتفخيم شأنها وإجلال مكانها والتعرض لتحريمه تعالى إياها تشريف لها بعد تشريف وتعظيم إثر تعظيم مع ما فيه من الاشعار بعلة الأمر وموجب الامتثال به كما في قوله تعالى : فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ومن الرمز إلى غاية شناعة ما فعلوا فيها الا ترى أنهم مع كونها محرمة من أن تنتهك حرمتها باختلاء خلاها وعضد شجرها وتنفير صيدها وإرادة الالحاد فيها قد استمروا فيها على تعاطي أفظع أفراد الفجور وأشنع أحاد الالحاد حيث تركوا عبادة ربها ونصبوا فيها الأوثان وعكفوا على عبادتها قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون ولا تعارض بين ما في الآية من نسبة تحريمها إليه عز و جل وما في قوله تعالى عليه الصلاة و السلام إن إبراهيم عليه السلام حرم مكة وأنا حرمت المدينة من نسبة تحريمها إلى إبراهيم عليه السلام لأن ما هنا باعتبار أنه هو المحرم في الحقيقة وما في الحديث باعتبار أن إبراهيم عليه السلام مظهر لحكمه عز و جل
وقرأ ابن عباس وابن مسعود التي صفة للبلدة وقراءة الجمهور أبلغ في التعظيم ففي الكشف أن إجراء الوصف على الرب تعالى شأنه تعظيم لشأن الوصف ولشأن ما يتعلق به الوصف وزيادة اختصاص له بمن أجري عليه الوصف على سبيل الادماج وجعل ذلك كالمسلم المبرهن ولا كذلك لو وصفت البلدة بوصف تخصيصا أو مدحا وقوله تعالى وله كل شيء أي خلقا وملكا وتصرفا من غير أن يشاركه سبحانه شيء في شيء من ذلك تحقيق للحق وتنبيه على إفراد مكة بالاضافة لما مر من التفخيم والتشريف مع عموم الربوبية لجميع الموجودات واستدل به بعض الناس لجواز ما يقوله جهلة المتصوفة شيء لله لأنه في معنى كل شيء لله عز و جل نحو تمرة خير من جرادة وأنت تعلم أنهم لايأتون به لارادة ذلك بل يقولون : شيء لله يافلان لبعض الأكابر من أهل القبور إما على معنى اعطني شيئا لوجه الله تعالى يا فلان أو أنت شيء عظيم من آثار قدرة الله تعالى وقد وجهه بذلك من لم يكفرهم به وهو الحق وإن كان في ظاهره على أول التوجيهين طلب شيء ممن لا قدرة له على شيء نعم الأولى صيانة اللسان عن أمثال هذه الكلمات
وأمرت أن أكون من المسلمين أي اثبت على ما كنت عليه من كوني من جملة الثابتين على ملة الاسلام والتوحيد أو الذين أسلموا وجوههم لله تعالى خالصة من قوله تعالى ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وأن أتلو القرآن أي أواظب على قراءته على الناس بطريق تكرير الدعوة وتثنية الارشاد لكفايته في الهداية إلى طريق الرشاد وقيل أي أواظب على قراءته لينكشف لي حقائقه الرائقة المخزونة في تضاعيفه شيئا فشيئا فان المواظبة على قراءته من أسباب فتح باب الفيضات الالهية والأسرار القدسية وقد حكي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قام ليلة يصلي فقرأ قوله تعالى : إن تعذبهم فانهم عبادك فمازال يكررها ويظهر له من أسرارها ما يظهر حتى طلع الفجر وقيل أتلو من تلاه إدا تبعه أي وأن أتبع القرآن وهو خلاف الظاهر ويؤيد ما ذكرناه أولا من المعنى ما في حرف أبي كما أخرجه أبو عبيد وابن المنذر عن هرون واتل عليهم القرآن وحكي عنه في البحر أنه قرأ واتل هذا القرآن ولا تأييد فيه لما ذكرنا وقرأ عبد الله وأن أتل بغير واو أمرا من تلا فجاز أن تكون أن مصدرية وصلت بالأمر وجاز أن تكون مفسرة على إضمار أمرت فمن اهتدى أي بالايمان بالقرآن والعمل بما فيه من الشرائع والأحكام وقيل أي باتباع فيما

الصفحة 39