كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

ذكرذكر من العبادة والاسلام وتلاوة القرآن أو اتباعه فإنما يهتدي لنفسه أي فإنما منافع اهتدائه تعود إليه ومن ضل بالكفر به والاعراض عنه وقيل بالمخالفة فيما ذكر فقل أي له إنما أنا من المنذرين
29
- وقد خرجت عن عهدة الانذار فليس علي من وبال ضلالك شيء وإنما هو عليك فقط ويعلم مما ذكرنا أن جواب الشرط جملة القول وما في حيزه والرابط المشترط في مثله محذوف وقدره بعضهم بعد المنذرين أي من المنذرين إياه وجوز أبو حيان كون الجواب محذوفا أي من ضل فوبال ضلاله مختص به وحذف ذلك لدلالة جواب مقابله عليه وجوز بعضهم كون الجملة بعد هي الجواب ولكونها كناية تعريضية عما قدره أبو حيان لم تحتج إلى رابط ثم أن ظاهر التصريح بقل هنا يقتضي أن يكون فمن أهتدى الخ من كلامه عز و جل عقب به أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يقول لهم ما قبله ولا بعد في كونه من مقول القول المقدر قبل قوله تعالى : إنما أمرت كما سمعت وقل الحمد لله أي على ما أفاض علي من نعمائه التي أجلها نعمة النبوة المستتبعة لفنون النعم الدينية والدنيوية ووفقني لتحمل أعبائها وتبليغ أحكامها بالآيات البينة والبراهين النيرة وقوله تعالى : سيريكم ءايته من جملة الكلام المأمور به أي قل سيريكم آياته سبحانه : فتهرفونها أي فتعرفون أنه آيات الله تعالى حيث لاتنفعكم المعرفة وقيل : أي سيريكم في الدنيا والمراد بالآيات الدخان وما حل بهم من نقمات الله تعالى وعد منها قتل يوم بدر واعتراف المقتولين بذلك بالفعل واعتراف غيرهم بالقوة وقيل : هي خروج الدابة وسائر اشراط الساعة والخطاب لجنس الناس لا لمن في عهد النبوة
وأخرج ابن أبي حاتم وجماعة عن مجاهد أن المراد بالآيات الآيات الانفسية والآفاقية فالآية كقوله تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم وقيل : المراد بها معجزات الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم واضافتها إلى ضميره تعالى لأنها فعله عز و جل أظهرها علد رسوله عليه الصلاة و السلام للتصديق والمراد بالمعرفة ما يجامع الجحود وقوله تعالى وما ربك بغافل عما تعملون
39
- كلام مسوق من جهته سبحانه بطريق التذييل مقرر لما قبله متضمن للوعد والوعيد كما ينبيء عنه إضافة الرب الى ضميره صلى الله تعالى عليه وسلم وتخصيص الخطاب أولا به عليه الصلاة و السلام وتعميمه ثانيا للكفرة أي وما ربك بغافل عما تعمل أنت من الحسنات وما تعملون أنتم أيها الكفرة من السيئات فيجازي كلا منكم بعمله لامحالة وقرأ الأكثر يعملون بياء الغيبة فهو وعيد محض والمعنى وما ربك بغافل عن أعمالهم فسيعذبهم البتة فلا يحسبوا أن تأخير عذابهم لغفلته سبحانه عن أعمالهم الموجبة له ومن تأمل في الآيات ظهر له أن هذ الخاتمة مما تدهش العقول وتحير الافهام ولله تعالى در التنزيل وماذا عسى يقال في الكلام الملك العلام
ومن باب الاشارة في الآيات ما قيل وأنزل من السماء سماء القلب ماء هو ماء نظر الرحمة فأنبتنا به حدائق ذات بهجة من العلوم والمعاني والاسرار والحكم البالغة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أي أصولها لما أن العلوم الآلهية غير اختيارية بل كل علم ليس باختياري في نفسه وإلا لزم تقدم الشيء على نفسه نعم هو اختياري باعتبار الأسباب أم من جعل الأرض أي أرض النفس قرارا في الجسد وجعل خلالها أنهارا من

الصفحة 40