كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

ذلكذلك إلى آخر القصة فكانت هذه السورة شارحة لما أجمل في السورتين معا على الترتيب وبذلك عرف وجه الحكمة في تقديم طس على هذه وتأخيرها عن الشعراء في الذكر في المصحف وكذا في النزول فقد روي عن ابن عباس وجابر بن زيد أن الشعراء نزلت ثم طس ثم القصص وأيضا قد ذكر سبحانه في السورة السابقة من توبيخ الكفرة بالسؤال يوم القيامة ما ذكر وذكر جل شأنه في هذه من ذلك ما أبسط وأكثر مما تقدم وأيضا ذكر عز و جل من أمر الليل والنهار هنا فوق ما ذكره سبحانه منه هناك وقد يقال في وجه المناسبة أيضا : إنه تعالى فصل في تلك السورة أحوال بعض المهلكين من قوم صالح وقوم لوط وأجمل هنا في قوله تعالى : وكم أهلكنا من قرية الآيات وأيضا بسط في الجملة هناك حال من جاء بالحسنة وحال من جاء بالسيئة وأوجز سبحانه هنا حيث قال تعالى : من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون فلم يذكر عز و جل من حال الأولين أمنهم من الفزع ومن حال الآخرين كب وجوههم في النار إلى غير ذلك مما يظهر للمتأمل
بسم الله الرحمن طسم
1
- تلك ءايت الكتاب المبين
2
- قد مر ما يتعلق به من الكلام في أشباهه تتلوا عليك أي نقرأ بواسطة جبرائيل عليه السلام فالاسناد مجازي كما في بنى الأمير المدينة والتلاوة في كلامهم على ما قال الراغب تختص باتباع كتب الله تعالى المنزلة تارة بالقراءة وتارة بالارتسام لما فيه من أمر ونهي وترغيب وترهيب أو ما يتوهم فيه ذلك وهو أخص من القراءة ويجوز أن تكون التلاوة هنا مجازا مرسلا عن التنزيل بعلاقة أن التنزيل لازم لها أو سببها في الجملة وأن تكون استعارة له لما بينهما من المشابهة فان كلا منهما طريق للتبليغ فالمعنى ننزل عليك من نبأ موسى وفرعون أي من خبرهما العجيب الشأن والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لمفعول نتلو المحذوف أي نتلو شيئا كائنا من نبئهما
والظاهر أن من تبعيضية وجوز بعضهم كونها بيانية وكونها صلة على رأي الأخفش فنبأ مجرور لفظا مرفوع محلا مفعول نتلو ويوهم كلام بعضهم أن من هو المفعول كأنه قيل : نتلو بعض نبأ وفيه بحث وأيا ما كان فلا تجوز في كون النبأ متلوا لما أنه نوع من اللفظ وقوله تعالى : بالحق متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل نتلو متلبسين بالحق أو مفعوله أي نتلو شيئا من نبئهما متلبسا بالحق أو وقع صفة لمصدر نتلو أي نتلو تلاوة متلبسة بالحق وقوله تعالى : لقوم يؤمنون
3
- متعلق بنتلو واللام للتعليل وتخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الدعوة والبيان لأنهم المنتفعون به وقد تقدم الكلام في شمول يؤمنون للمؤمنين حالا واستقبالا في السورة السابقة وقوله تعالى : إن فرعون علا في الأرض استئناف جار مجرى التفسير للمجمل الموعود وتصديره بحرف التأكيد للاعتناء بتحقيق مضمون ما بعده أي إن فرعون تجبر وطغى في أرض مصر وجاوز الحدود المعهودة في الظلم والعدوان وجعل أهلها شيعا أي فرقا يشيعونه في كل ما يريده من الشر والفساد أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته أو أصنافا في استخدامه يستعمل

الصفحة 42