كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

كل صنف في عمل من بناء وحرث وحفر وغير ذلك من ألاعمال الشاقة ومن لم يعمل ضرب عليه الجزية فيخدمه بادائها أو فرقا مختلفة قد أغرى بينهم العدواة والبغضاء لئلا تتفق كلمتهم يستضعف طائفة منهم أي يجعلهم ضعفاء مقهورين والمراد بهذه الطائفة بنو إسرائيل وعدهم من أهلها للتغليب أو لأنهم كانوا فيها زمانا طويلا والجملة إما استئناف نحوي أو بياني في جواب ماذا صنع بعد ذلك وإما حال من فاعل جعل أو من مفعوله وأما صفة لشيعا والتعبير بالمضارع لحكاية الحال الماضية وقوله تعالى : يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم بدل من الجملة قبلها بدل اشتمال أو تفسير أو حال من فاعل يستضعف أو صفة لطائفة أو حال منها لتخصصها بالوصف وكان ذلك منه لما أن كانها قال له يولد في بني إسرائيل مولود يذهب ملكك على يده
وقال السدي : إنه رأى في منامه أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل علماء فقالوا : يخرج من هذا البلد رجل يكون هلاك مصر على يده فأخذ يفعل ما يفعل ولا يخفى أنه من الحمق بمكان إذ لو صدق الكاهنأو الرؤيا فما فائدة القتل وإلا فما وجهه وفي الآية دليل على أن قتل الأولاد لحفظ الملك شريعة فرعونية
وقرأ أبو حيوة وابن محيصن يذبح بفتح الياء وسكون الذال إنه كان من المفسدين
4
- أي الراسخين في الافساد ولذلك اجترأ على مثل تلك العظيمة من قتل من لا جنحة له من ذراري الأنبياء عليهم السلام لتخيل فاسد ونريد أن نمن أي نتفضل على الذين استضعفوا في الأرض على الوجه المذكور بانجائهم من بأسه وصيغة المضارع في نريد لحكاية الحال الماضية وأما نمن فمستقبل بالنسبة للارادة فلا حاجة لتأويله وهو معطوف على قوله تعالى : إن فرعون علا الخ لتناسبهما في الوقوع في حيز التفسير للنبأ وهذا هو الظاهر
وجوز أن تكون الجملة حالا من مفعول يستضعف بتقدير مبتدأ أي يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم وقدر المبتدأ ليجوز التصدير بالواو وجوز أن يكون حالا من الفاعل بتقدير المبتدأ أيضا وخلوها عن العائد عليه وما يقوم مقامه لايضر لأن الجملة الحالية إدا كانت أسمية يكفي في ربطها الواو وضعف بأنه لاشبهة في استهجان ذلك مع حذف المبتدأ وتعقب القول بصحة الحالية مطلقا بأن الاصل في الحال المقارنة والمن بعد الاستضعاف بكثير وأجيب بأن الحال ليس المن بل ارادته وهي مقارنة وتعلقها إنما هو بوقوع المن في الاستقبال فلا يلزم من مقارنتها مقارنته على أن من الله تعالى عليهم بالخلاص لما كان في شرف الوقوع جاز إجراؤه مجرى الواقع المقارن للاستضعاف وإذا جعلت الحال مقدرة يرتفع القيل والمقال وجوز بعضهم عطف ذلك على نتلو ونستضعف وقال الزمخشري : هو غير سديد ووجه ذلك في الكشف بقوله أما الاول فلما يلزم أن يكون خارجا عن المنبأ به وهو أعظمه وأهمه واما الثاني فلأنه إما حال عن ضمير جعل أو عن مفعوله أو صفة لشيعا أو كلام مستأنف وعلى الاولين ظاهر الامتناع وعلى الثالث أظهر إذ لا مدخل لذلك في الجواب عن السؤال الذي يعطيه قوله تعالى : جعل أهلها شيعا والعطف يقتضي الاشتراك لكن للعطف على يستضعف مساغ على تقدير الوصف والمعنى جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم ونريد أن نمن عليهم منهم أي على الطائفة من الشيع فأقيم المظهر مقام المضمر الراجع إلى الطائفة وحذف الراجع إلى الشيع للعلم كأنه قيل : يستضعفهم

الصفحة 43