كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

ونريد أن نقويهم كما زعم الزمخشري في الوجه الذي جعله حالا عن مفعول يستضعف والحاصل شيعا موصوفين باستضعاف طائفة وارادة المن على تلك الطائفة منهم بدفع الضعف
فان قلت يدفعه العلم بالصفة الثانية لم يكن حاصلا بخلاف الأولى قلنا كذلك لم يكن حاصلا باستضعاف مقيد بحال الارادة والحق أن الوجهين يضعفان لذلك وإنما أوردناه على الزمخشري لتجويزه الحال انتهى وأورد عليه أن للعطف عليه على تقدير كونه حالا مساغا أيضا بعين ما ذكره فلا وجه للتخصيص بالوصفية وأن عدم حصول العلم بالصفة الثانية بعد تسليم اشتراط العلم بالصفة مطلقا غير مسلم فان سبب العلم بالاولى وهو الوحي أو خبر أهل الكتاب ويجوز أن يكون سببا للعلم بالثانية وأيضا يجوز أن يخصص جواز حالية ونريد الخ باحتمال الاستئناف والحالية في يستضعف دون الوصف فلا يكون مشترك الالزام وفيه أن احتمال الحالية من المفعول لم يذكره الزمخشري فلذا لم يلتفت صاحب الكشف إلى أن للعطف عليه مساغا وأن اشتراط العلم بالصفة مما صرح به في مواضع من الكشاف والكلام معه وأن العلم بصفة الاستضعاف لكونه مفسرا بالذبح والاستحياء وذلك معلوم بالمشاهدة وليس سبب العلم ما ذكر من الوحي أو خبر أهل الكتاب وفي هذا نظر والانصاف أن قوله تعالى : إن فرعون الخ لايظهر كونه بيانا لنبأ موسى عليه السلام وفرعون معا على شيء من الاحتمالات ظهوره على احتمال العطف على إن فرعون وادخاله في حيز البيان والا فالظاهر من إن فرعون الخ بدون هذا المعطوف أنه بيان لنبأ فرعون فقط فتأمل ونجعلهم أئمة مقتدى بهم في الدين والدنيا على ما في البحر وقال مجاهد دعاة إلى الخير وقال قتادة ولاة كقوله تعالى : وجعلكم ملوكا وقال الضحاك أنبياء وأياما كان ففيه نسبة ما للبعض إلى الكل ونجعلهم الورثين
5
- لجميع ما كان منتظما في سلك ملك فرعون وقومه على أكمل وجه كما يوميء اليه التعريف وذلك بأن لاينازعهم أحد فيه ونمكن لهم في الأرض أي في أرض مصر وأصل التمكين أن يجعل الشيء مكانا يتمكن فيه ثم استعير للتسليط واطلاق الامر وشاع في ذلك حتى صار حقيقة لغوية فالمعنى نسلطهم على أرض مصر يتصرفون وينفذ أمرهم فيها كيفما يشاؤن وظاهر كلام بعضهم أن المراد بالارض ما يعم مصر والشام مع أن المعهود هو أرض مصر لاغير وكأن ذلك لما أن الشام مقر بني اسرائيل وقرأ الأعمش ولنمكن بلام كي أي وأوردنا ذلك لنمكن أو ولنمكن فعلنا ذلك
ونري فرعون وهمن وجنودهما أضافة الجنود إلى ضميرهما إما للتغليب أو لأنه كان لهامان جند مخصوصون به وإن كان وزيرا أو لأن جند السلطان جند الوزير ونرى من الرؤية البصرية على ما هو المناسب للبلاغة وجوز أن يكون من الرؤية القلبية التي هي بمعنى المعرفة وعلى الوجهين هو ناصب لمفعولين لمكان الهمزة ففرعون وما عطف عليه مفعوله الأول وقوله تعالى : ومنهم أي من أولئك المستضعفين متعلق به وقوله تعالى : ما كانوا يحذرون
6
- أي يتوقون من ذهاب ملكهم وهلكهم على يد مولود منهم مفعوله الثاني والرؤية على تقدير كونها بصرية لمقدمات ذلك وعلاماته في الحقيقة لكنها جعلت له مبالغة ومثله مستفيض بينهم حتى يقال رأى موته بعينه وشاهد هلاكه وعليه قول بعض المتأخرين :

الصفحة 44