كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

رويروي أنها لما ضربها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها فلما وقع موسى عليه السلام على الارض هالها نور بين عينيه وارتعش كل مفصل منها ودخل حبه قلبها بحيث منعها من السعاية فقالت لأمه : احفظيه فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة وألقته في تنور مسجور لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها فطلبوا فلم يجدوا شيئا فخرجوا وهي لاتدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت اليه وقد جعل الله تعالى النار عليه بردا وسلاما فأخذته فلما ألح فرعون في طلب الولدان واجتهد العيون في تفحصها أوحى الله تعالى اليها ما أوحى وأرضعته ثلاثة أشهر أو أربعة أو ثمانية على اختلاف الروايات فلما خافت عليه عمدت إلى بردي فصنعت منه تابوتا أي صندوقا فطلته بالقار من داخله وعن السدي أنها دعت نجارا فصنع لها تابوتا وجعلت مفتاحه من داخل ووضعت موسى عليه السلام فيه والقته في النيل بين أحجار عند بيت فرعون فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدنه فأدخلنه اليها وظنن أن فيه مالا فلما فتحنه رأته آسية ووقعت عليه رحمتها فأحبته وأراد فرعون قتله فلم تزل تكلمه حتى تركه لها وروي عن ابن عباس وغيره أنه كان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس اليه وكان بها برص شديد أعيا الأطباء وكان قد ذكر له أنها لاتبرأ إلا من قبل البحر يؤخذ منه شبه الانس يوم كذا من شهر كذا حين تشرق الشمس فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون في مجلس له على شفير النيل ومعه امرأته آسية وأقبلت بنته في جواريها حتى جلست على شاطيء النيل فاذا بتابوت تضربه الأمواج فتعلق بشجرة فقال فرعون ائتوني به فابتدروا بالسفن فأحضروه بين يديه فعالجوا فتحه فلم يقدروا عليه وقصدوا كسره فاعياهم فنظرت آسية فكشف لها عن نور في جوفه لم يره غيرها فعالجته ففتحته فاذأ صبي صغير فيه وله نور بين عينيه وهو يمص إبهامه لبنا فألقى الله تعالى محبته عليه السلام في قلبها وقلوب القوم وعمدت بنت فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها فبرأت من ساعتها
وقيل : لما نظرت إلى وجهه برأت فقالت الغواة من قوم فرعون أنا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه رمي في البحر خوفا منك فاقتله فهم أن يقتله فاستوهبته آسية فتركه كما سيأتي إن شاء الله تعالى والأخبار في هذه القصة كثيرة وقد قدمنا منها ما قدمنا وآل فرعون أتباعه وقولهم : إن الآل لايستعمل إلا فيما فيه شرف مبني على الغالب أو الشرف فيه أعم من الشرف الحقيقي والصوري ومعنى التقاطهم إياه عليه السلام أخذهم إياه عليه السلام أخذ اللقطة أي أخذ اعتناء به وصيانة له عن الضياع ليكون لهم عدوا وحزنا فيه استعارة تهكمية ضرورة أنه لم يدعهم للالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا وإنما دعاهم شيء آخر كالتبني ونفعه إياهم إذا كبر وفي تحقيق ذلك أقوال الأول أن يشبه كونه كدوا وحزنا بالعلة الغائبة كالتبني والنفع تشبيها مضمرا في النفس ولم يصرح بغير المشبه ويدل على ذلك بذكر ما يخص المشبه به وهو لام التعليل فيكون هناك استعارة مكنية أصلية في المجرور واللام على حقيقتها والثاني أن يشبه أولا ترتب غير العلة الغائية بترتب العلة الغائية أي يعتبر التشبيه بين الترتبين الكليين ليسري في جزئياتهما فيتحقق تبعا تشبيه ترتب كونه عدوا وحزنا أعني الترتب المخصوص على الالتقاط بترتب التبني ونحوه مما هو علة غائبة أعني الترتب المخصوص أيضا عليه ثم

الصفحة 46