كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

الصفة له ويبعد كما في البحر أن يكون مبتدأ خبره جملة قوله تعالى : لا تقتلوه وقالت ذلك لما ألقى الله تعالى من محبته في قلبها أو لما كشف لها فرأته من النور بين عينيه أو لما شاهدته من برء بنت فرعون من البرص بريقه أو بمجرد النظر إلى وجهه ولتفخيم شأن القرة عدلت عن لنا إلى لي ولك وكأنها لما تعلم من مزيد حب فرعون إياها وأن مصلحتها أهم عنده من مصلحة نفسه قدمت نفسها عليه فيكون ذلك أبلغ في ترغيبه بترك قتله فلا يقال لنا الأظهر في الترغيب بذلك العكس وقد يستأنس لكون مصلحتها أهم عنده من مصلحة نفسه ما أخرجه النسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها حين قالت له ذلك قال لك لا لي ولو قال لي كما هو لك لهداه الله تعالى كما هداها وهذا أمر فرضي فلا ينافي ما ورد من أنه عليه اللعنة طبع كافرا والخطاب في لا تقتلوه قيل : لفرعون واسناد الفعل اليه مجازي لأنه الآمر والجمع للتعظيم وكونه لايوجد في كلام العرب الموثوق بهم الا في ضمير المتكلم كفعلنا مما تفرد به الرضى وقلده فيه من قلده وهو لا أصل له رواية ودراية قال أبو على الفارسي في فقه اللغة من سنن العرب مخاطبة الواحد بلفظ الجمع فيقال للرجل العظيم انظروا في أمري وهكذا في سر الأدب وخصائص ابن جني وهو مجاز بليغ وفي القرآن الكريم منه ما التزام تأويله سفه وقيل : هو لفرعون وأعوانه الحاضرين ورجح بما روى أن غواة قومه قالوا وقت اخراجه هذا هو الصبي الذي كنا نحذر منه فاذن لنا في قتله وقيل : هو له ولمن يخشى منه القتل وإن لم يحضر على التغليب واختار بعضهم كونه للمأمورين بقتل الصبيان كأنها بعد أن خاطبت فرعون وأخبرته بما يستعطفه على موسى عليه السلام أمنت منه بادرة أمن جديد بقتله فالتفت إلى خطاب المأمورين قبل فنهتهم عن قتله معللة ذلك بقوله تعالى المحكي عنها : عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهو أوفق باختلاف الأسلوب حيث فصلت أولا في قولها : لي ولك وافردت ضمير خطاب فرعون ثم خاطبت وجمعت الضمير في لا تقتلوه ثم تركت التفصيل في عسى أن ينفعنا الخ ولم تأت به على طرز قرة عين لي ولك وبأن تقول : عسى أن ينفعني وينفعك مثلا فتأمل ورجاء نفعه لما رأت فيه من مخايل البركة ودلائل النجابة : في المهد ينطق عن سعادة جده أثر النجابة ساطع البرهان واتخاذ ولدا لأنه لائق لتبني الملوك لما فيه من الأبهة وعطف هذا على ما قبله من عطف الخاص على العام أو تعتبر بينهما المغايرة وهو الأنسب بأو وهم لايشعرون حال من آل فرعون والتقدير فاتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا وقالت أمرأته له كيت وكيت وهم لايشعرون بأنهم على خطأ عظيم فيما صنعوا وقال : قتادة لايشعرون أنه الذي يفسد ملكهم على يده وقال مجاهد أنه عدو لهم قال محمد بن اسحق : أني أفعل ما أريد لاما يريدون والتقدير الأول أجمع وجوز كونه حالا من القائلة والمقول له معا والمراد بالجمع اثنان على احتمال كون الخطاب في لا تقتلوه لفرعون فقط وكونه حالا من القائلة فقط أي قالت امرأة فرعون له ذلك والذين أشاروا بقتله لايشعرون بمقالتها له واستعطاف قلبها عليه لئلا يغروه بقتله وعلى الاحتمالات الثلاثة هو من كلام الله تعالى وجوز كونه حالا من أحد ضميري نتخذه على أن الضمير للناس لا لذي الحال إد يكفي الواو للربط أي نتخذه ولدا والناس لايعلمون أنه لغيرنا وقد تبنيناه فيكون من كلام آسية رضي الله تعالى عنها وأصبح فواد أم موسى فارغا أي صار خاليا من كل شيء غير ذكر موسى عليه السلام أخرجه

الصفحة 48