كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

وجاعلوه من المرسلين ومن جعل الفراغ من الهم والحزن وكيدودة الابداء من الفرح بتبنيه عليه السلام الذي هو فرح مذموم جعل الايمان بمعنى الوثوق كما في قولهم على ما حكى أبو زيد ما آمنت أن أجد صحابة أي ما وثق وحقيقته صرت ذا أمن أي ذا سكون وطمأنينة وقال المعنى لولا أن ربطنا على قلبها وسكنا قلقه الكائن من الابتهاج الفاسد لتكون من الواثقين بوعد الله تعالى المبتهجين بما يحق الابتهاج به وقالت لأخته مريم وقيل : كلثمة وقيل : كلثوم والتعبير عنها بأخوته دون أن يقال لبنتها للتصريح بمدار المحبة للامتثال بالامر قصيه أي اتبعي أثره وتتبعي خبره والظاهر أن هذا القول وقع منها بعد أن أصبح فؤادها فارغا فان كانت لم تعرف مكانه إذ ذاك فظاهر وإن كانت قد عرفته فتتبع الخبر ليعرف هل قتلوه أم لا ولينكشف ما هو عليه من الحال فبصرت به أي أبصرته والفاء فصيحة أي فقصت أثره فبصرت وقرأ قتادة فبصرت بفتح الصاد وعيسى بكسرها عن جنب أي عن بعد وقيل : أي عن شوق اليه حكاه أبو عمرو بن العلاء وقال هي لغة جذام يقولون جنبت اليك أي اشتقت وقال الكرماني جنب صفة لموصوف محذوف أي عن مكان جنب أي بعيد وكأنه من الاضداد فانه يكون بمعنى القريب أيضا كالجار الجنب وقيل : أي عن جانب لأنها كانت تمشي على الشط وقيل : النظر عن جنب أي تنظر إلى الشيء كأنك لا تريده
وقرأ قتادة والحسن وزيد بن علي رضي الله تعالى عنه والاعرج عن جنب بفتح الجيم وسكون النون وعن قتادة أنه قرأ بفتحهما أيضا وعن الحسن أنه قريء بضم الجيم واسكان النون وقرأ النعمان بن سالم عن جانب والكل على ما قيل : بمعنى واحد وفي البحر الجنب والجانب والجنابة والجناب بمعنى وهم لايشعرون
11
- أنها تقصه وتتعرف حاله أو أنها أخته وحرمنا عليه المراضع أي منعناه ذلك فالتحريم مجاز عن المنع فان من حرم عليه شيء فقد منعه ولا يصح ارادة التحريم الشرعي لأن الصبي ليس من أهل التكليف ولا دليل على الخصوصية والمراضع جمع مرضع بضم الميم وكسر الضاد وهي المرأة التي ترضع وترك التاء إما لاختصاصه بالنساء أو لأنه بمعنى شخص مرضع أو جمع مرضع بفتح الميم على أنه مصدر ميمي بمعنى الرضاع وجمع لتعدد مراته أو اسم مكان أي موضع الرضاع وهو الثدي من قبل أي من قبل قصها أو ابصارها أو وروده على من هو عنده أو من قبل ذلك أي من أول أمره وظاهر صنيع أبي حيان اخياره فقالت هل أدلكم أي هل تريدون أن أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم أي يضمنونه ويقومون بتربيته لأجلكم والفاء فصيحة أي فدخلت عليهم فقالت وقولها : على أهل بيت دون أمرأة اشارة إلى أن المراد أمرأة من أهل الشرف تليق بخدمة الملوك وهم له نصحون
21
- لايقصرون في خدمته وتربيته وروي أن هامان لما سمع هذا منها قال انها لتعرفه وأهله فخذوها حتى تخبر بحاله فقالت إنما أردت وهم للملك ناصحون فخلصت بذلك من الشر الذي يجوز لمثله الكذب وأحسنت وليس ببدع لأنها من بيت النبوة فحقيق بها ذلك واحتمال الضمير لأمرين مما لا تختص به اللغة العربية بل يكون في جميع اللغات على أن الفراعنة من بقايا العمالقة وكانوا يتكلمون بالعربية فلعلها كلمت بلسانهم ويسمى هذا الاسلوب من الكلام الموجه
فرددنه إلى أمه الفاء فصيحة أي فقبلوا ذلك منها ودلتهم على أمه وكلموها في ارضاعه فقبلت فرددناه

الصفحة 50