كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

إذا المرء وافي الأربعين ولم يكن له دون ما يهوى حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى وان جر أسباب الحياة له العمر وفي قوله تعالى : حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ما يستأنس به لذلك وقد مر طرف من الكلام في الأشد في سورة يوسف فتذكر ولا تغفل ثم إن حاصل المعنى على ما قيل أخيرا : ولما قوي جسمه واعتدل عقله آتيناه حكما أي نبوة على ما وري عن السدي أو علما هو من خواص النبوة على ما تأول به بعضهم كلامه وعلما بالدين والشريعة وفي الكشاف العلم التوراة والحكم السنة وحكمة الانبياء عليهم السلام سنتهم قال الله تعالى : واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة وقيل آتيناه سيرة الحكماء العلماى وسمتهم قبل البعث فكان عليه السلام لايفعل فعلا يستجهل فيه اه ورجح ما قيل بأنه أوفق لنظم القصة مما تقدم لأن استنباءه عليه السلام بعد وكز القبطي والهجرة إلى مدين ورجوعه منها وإيتاؤه التوراة كان بعد إغراق فرعون فهو بعد الوكز بكثير وبأن قوله تعالى : وكذلك أي مثل ذلك الذي فعلناه بموسى وأمه عليهما السلام نجزي المحسنين
41
- على إحسانهم يأبى جمل ما تقدم على النبوة لأنها لا تكون جزاء على العمل ومن ذهب إلدى الأول جعل هذا بيانا اجماليا لانجاز الوعد بجعله من المرسلين بعد رده لأمه وما بعد تفصيل له والعطف بالواو لايقتضي الترتيب وكون ما فعل بموسى وأمه عليهما السلام جزاء على العمل باعتبار التغليب وقد يقال : إن أصل النبوة وإن لم تكن جزاء على العمل إلا أن بعض مراتبها وهو ما فيه ميد قرب من الله تعالى يكون باعتبار مزيد القرب جزاء عليه ويرجع ذلك إلى أن مزيد القرب هو الجزاء وتفاوت الأنبياء عليهم السلام في القرب منه تعالى مما لا ينبغي أن يشك فيه ورجح ما تقدم بكونه أوفق بقوله تعالى : ولتعلم أن وعد الله حق واستلزامه حصول النبوة لكل محسن ليس بشيء أصلا ومن ذهب إلى أن الايتاء كان قبل الهجرة قال : يجوز أن يكون المعنى آتيناه رياسة بين قومه بني إسرائيل بأن جعلناه ممتازا فيما بينهم يرجعون إليه في مهامهم ويمتثلونه إذا أمرهم بشيء أو نهاهم عنه وعلما ينتفع به وينفع به غيره وذلك إما بمحض الإلهام أو بتوفيقه لاستنباط دقائق وأسرار مما نقل اليه من كلمات آبائه الأنبياء عليهم السلام من بني إسرائيل ولا بدع في أن يكون عليه السلام عالما بما كان عليه آباؤه الأنبياء منهم وبما كانوا يدينون به من الشرائع بواسطة الإلهام أو بسماع ما يفيده العلم من الأخبار ولعل هذا أولى مما نقله في الكشاف وفي الكلام على أواخر سورة البقرة ما تنفعك مراجعته فليراجع
ودخل المدينة قال ابن عباس على ما في البحر : هي منف على حين غفلة من أهلها أي في وقت لايعتاد دخولها أو لايتوقعونه فيه وكان على ما روي عن الحبر وقت القائلة وفي رواية أخرى عنه بين العشاء والعتمة وذلك أن فرعون ركب يوما وسار إلى تلك المدينة فعلم موسى عليه السلام بركوبه فلحق ودخل المدينة في ذلك الوقت وقال ابن اسحق : هي مصر كان موسى عليه السلام قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون فاختفى وغاب فدخلها متنكرا وقال ابن زيد : كان فرعون قد أخرجه منها فغاب سنين فنسي فجاء ودخلها واهلها في غفلة بنسيانهم له وبعد عهدهم به وقيل : دخل في يوم عيد

الصفحة 52