كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

وهم مشغولون بلهوهم وقيل : خرج من قصر فرعون ودخل مصر وقت القيلولة أو بين العشائين وقيل : المدينة عين شمس وقيل : قرية على فرسخين من مصر يقال لها : حابين وقيل : هي الاسكندرية والأشهر أنها مصر ولعله هو الأظهر والمتبادر أن على حين متعلق بدخل وعليه فالظاهر أن على بمعنى في مثلها في قوله تعالى : واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان على قول
وقال أبو البقاء : هو في موضع الحال من المدينة ويجوز أن يكون في موضع الحال من الفاعل أي مختلسا اه ولعل الذي دعاه إلى العدول عن المتبادر احتياجه إلى جعل على بمعنى في وخفاء نكتة التعبير بها دونها أو الاكتفاء بالظرف وحده عليه والأمر ظاهر لمن له أدنى تأمل وقيل : إن الداعي إلى ذلك أن دخول المدينة في حين غفلة من أهلها ليس نصا في دخولها غافلا أهلها كما في وجه الحالية من المدينة ولا في دخولها مختلسا كما في وجه الحالية من الضمير فان وقت الغفلة كوقت القائلة وما بين العشائين قد لايغفل فيه وفيه بحث
و من أهلها في موضع الصفة لغفلة وما في النظم الكريم أبلغ من غفلة أهلها بالاضافة لما في التنوين من إفادة التفخيم ولعله عدل عن ذلك إلى ما ذكر لهذا فتدبر وقرأ أبو طالب القاريء على حين بفتح النون ووجه بأنه فتح لمجاورة الغين كما كسر في بعض القراآت الدال في الحمد لله لمجاورة اللام أو بأنه أجري المصدر مجرى الفعل كأنه قيل : على حين غفل أهلها فبني حين كما يبنى إذا أضيف إلى الجملة المصدرة بفعل ماض نحو قوله :
على حين عاتبت المشيب على الصبا
وهو كما ترى فوجد فيها رجلين يقتتلان أي يتحاربان والجملة صفة للرجلين وقال ابن عطية : في موضع الحال وهو مبني على مذهب سيبويه من جواز مجيء الحال من النكرة من غير شرط وقرأ نعيم بن ميسرة يقتلان بادغام التاء في التاء ونقل فتحتها إلى القاف وقوله تعالى : هذا من شيعته أي ممن شايعه وتابعه في أمره ونهيه أو في الدين على ما قاله جماعة وهم بنو إسرائيل قال في الاتقان : هو السامري وهذا من عدوه من مخالفيه فيما يريد أو في الدين على ما قاله الجماعة وهم القبط واسمه كما في الاتقان أيضا قانون صفة بعد صفة لرجلين والاشارة بهذا واقعة على طريق الحكاية لما وقع وقت الوجدان كأن الرائي لهما يقوله لا في المحكي لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
وقال المبرد : العرب تشير بهذا إلى الغائب قال جرير : هذا ابن عمي في دمشق خليفة لو شئت ساقكم إلى قطينا وهذ الاشارة قائمة مقام الضمير في الربط والعطف سابق على الوصفية واختلف في سبب تقاتل هذين الرجلين فقيل : كان أمرا دينيا وقيل : كان أمرا دنيويا روي أن القبطي كلف الاسرائيلي حمل الحطب إلى مطبخ فرعون فأبى فاقتتلا لذلك وكان القبطي على ما أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير خبازا لفرعون
فاستغثه الذي من شيعته أي فطلب غوثه ونصره إياه على الذي من عدوه ولتضمين الفعل معنى النصر عدي بعلى ويؤيده قوله تعالى بعد : استنصره بالأمس ويجوز أن يكون تعديته بعلى لتضمينه معنى الاعانة ويؤيده أنه قريء فاستعانه بالعين المهملة والنون بدل الثاء وقد نقل هذه القراءة ابن خالويه عن

الصفحة 53