كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

الرجلين كانا من بني اسرائيل وأما الرجلان اللذان رآهما بالأمس فأحدهما اسرائيلي والآخر مصري ووجه أمر العداوة على ذلك بأن هذا الذي أراد عليه السلام أن يبطش به كان ظالما لمن استصرخه فيكون عدوا له وعاصيا لله تعالى فيكون عدوا لموسى عليه السلام ويحتمل أن تكون عداوته لهما لكونه مخالفا لما هما عليه من الدين وإن كان إسرائيليا وفيها أيضا ما هو صريح في أن الظالم هو قائل ذلك
وأنت تعلم أن هذ التوراة لا يلتفت اليها فيما يكذب القرآن أو السنة الصحيحة وهي فيما عدا ذلك كسائر أخبار بني إسرائيل لا تصدق ولا تكذب نعم قد يستأنس بها لبعض الأمور ثم إن ما فيها من قصة موسى عليه السلام مخالف لما قصه الله تعالى منها هنا وفي سائر المواضيع زيادة ونقصا وهو ظاهر لمن وقف عليها ولا يخفى الحكم في ذلك وقد خلت هنا عن ذكر مجيء مؤمن آل فرعون ونصحه لموسى عليه السلام وكذا عن ذكر ما يدل على قوله : إن تريد أي ما تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وهو الذي يفعل كل ما يريد من الضرب والقتل ولا ينظر في العواقب وقيل : المتعظم الذي لايتواضع لأمر الله تعالى وأصله على ما قيل : النخلة الطويلة فاستعير لما ذكر إما باعتبار تعاليه المعنوي أو تعظمه
وأخرج ابن المنذر عن الشعبي أنه قال : من قتل رجلين أي بغير حق فهو جبار ثم تلا هذه الآية وأخرج ابن أبي حاتم نحوه عن عكرمة وما تريد أن تكون من المصلحين
91
- بين الناس فتدفع التخاصم بالتي هي أحسن ولما قال هذا انتشر الحديث وارتقى الى فرعون وملائه فهموا بقتل موسى عليه السلام فخرج مؤمن من آل فرعون هو ابن عم فرعون ليخبره بذلك وينصحه كما قال عز و جل : وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى الآية واسمه قيل : شمعان وقيل : شمعون بن إسحق وقيل : حزقيل وقيل : غير ذلك وكون هذا الرجل الجائي مؤمن آل فرعون هو المشهور وقيل هو غيره ويسعى بمعنى يسرع في المشي وإنما أسرع لبعد محله ومزيد اهتمامه باخبار موسى عليه السلام ونصحه وقيل : يسعى بمعنى يقصد وجه الله تعالى كما في قوله سبحانه : وسعى لها سعيها وهو وإن كان مجازا يجوز الحمل عليه لشهرته والظاهر أن من أقصى صلة جاء وجملة يسعى صفة رجل وجوز أن يكون من أقصى في موضع الصفة لرجل وجملة يسعى صفة بعد صفة
وجوز أن تكون الجملة في موضع الحال من رجل أما إذا جعل الجار والمجرور في موضع الصفة منه فظاهر لأنه وإن كان نكرة ملحق بالمعارف فيسوغ أن يكون ذا حال وأما إذا كان متعلقا بجاء فمنع ذلك الجمهور وأجازه سيبويه وجوز أن يعلق الجار والمجرور بيسعى وهو كما ترى قال يموسى إن الملأ وهم وجوه أهل دولة فرعون يأتمرون بك أي يتشاورون بسببك وإنما سمي التشاور ائتمار لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر ليقتلوك فاخرج من المدينة قبل أن يظفروا بك إني لك من النصحين
2
- اللام للبيان كما في سقيا لك فيتعلق بمحذوف أعني أعني ولم يجوز الجمهور تعلقه بالناصحين لأن أل فيه اسم موصول ومعمول الصلة لايتقدم الموصول ولا بمحذوف مقدم يفسره المذكور لأن ما لايعمل لا يفسر عاملا وعند من جوز تقدم معمول الصلة إذا كان الموصول أل خاصة لكونها على صورة الحرف أو إذا كان المتقدم

الصفحة 58