كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

الذيالذي هو الشق اي جعل خلالها أنهارا جارية تنتفعون بها وجعل لها أي لصلاح أمرها روسي أي جبالا ثوابت فان لها مدخلا عاديا اقتضته الحكمة في انكشاف المسكون منها وانحفاظها عن الميد بأهلها وتكون المياه الممدة للأنهار المفضية لنضارتها في حضيضها إلى غير ذلك وذكر بعضهم في منفعة الجبال تكون المعادن فيها ونبع المنابع من حضيضها ولم يتعرض لمنفعة منعها الأرض عن الحركة والميلان وعلل ترك التعرض بأنه لو كان المقصود ذلك لذكر عقب جعل الأرض قرارا ومن أنصف رأي أن منع الجبال الأرض عن الحركة والميلان اللذين يخرجان الأرض عن حيز الانتفاع ويجعلان وجودها كعدمها من أهم ما يذكر هنا لأنه مما به صلاح أمرها ورفعة شأنها وذكر لها دون فيها أو عليها ظاهر في أن المراد ما هو من هذا القبيل من المنافع فتأمل
وإرجاع ضمير لها للانهار ليكون المعنى وجعل لامدادها رواسي ينبع من حضيضها الماء فيمدها لايخفى ما فيه وجعل بين البحرين أي العذب والملح عن الضحاك أو بحري فارس والروم عن الحسن أو بحري العراق والشام عن السدي أو بحري السماء والأرض عن مجاهد حاجزا فاصلا يمنع من الممازجة وقد مر الكلام في تحقيق ذلك فتذكر ءإله مع الله في الوجود أو في إبداع هذه البدائع على ما مر بل أكثرهم لايعلمون أي شيئا من الأشياء علما معتدا به ولذلك لايفهمون بطلان ما هم عليه من الشرك مع كمال ظهوره أمن يجيب المضطر إدا دعاه وهو الذي أحوجه شدة من الشدائد وألجأته إلى اللجاء والضراعة إلى الله عز و جل فهو اسم مفعول من الاضطرار الذي هو افتعال من الضرر ويرجع إلى هذا تفسير ابن عباس له بالمجهود وتفسير السدي بالذي لاحول له ولا قوة وقيل المراد بذلك المذنب إذا استغفر واللام فيه على ما قيل : للجنس لا للاستغراق حتى يلزم إجابة كل مضطر وكم من مضطر لايجاب
وجوز حمله على الاستغراق لكن الاجابة مقيدة بالمشيئة كما وقع ذلك في قوله تعالى فيكشف ما تدعون اليه إن شاء ومع هذا كره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يقول الشخص : اللهم اغفر لي إن شئت وقال عليه الصلاة و السلام : إن سبحانه لامكره له والمعتزلة يقيدونها بالعلم بالمصلحة لايجابهم رعاية المصالح عليه جل وعلا وقال صاحب الفوائد : ما من مضطر دعا إلا أجيب وأعيد نفع دعائه اليه إما في الدنيا وإما في الآخرة وذلك أن الدعاء طلب شيء فان لم يعط ذلك الشيء بعينه يعط ما هو أجل منه أو إن لم يعط هذا الوقت يعط بعده اه
وظاهر حمله على الاستغراق من دون تقييد للاجابة ولايخفى أنه إذا فسرت الاجابة بالاعطاء السائل ما سأله حسبما سأل لابقطع سؤاله سواء كان بالاعطاء المذكور أم بغيره لم يستقم ما ذكره وقال العلامة الطيبي : التعريف للعهد لأن سياق الكلام في المشركين يدل عليه الخطاب بقوله تعالى : ويجعلكم خلفاء والمراد التنبيه على أنهم عند اضطرارهم في نوازل الدهر وخطوب الزمان كانوا يلجأون إلى الله تعالى دون الشركاء والأصنام ويدل على التنبيه قوله تعالى : أإله مع الله قليلا ما تذكرون قال صاحب المفتاح : كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله تعالى دون أصنامهم فالمعنى إذا حزبكم أمر أو قارعة من قوارع الدهر إلى أن تصيروا آيسين من الحياة من يجيبكم إلى كشفها ويجعلكم بعد ذلك تتصرفون في البلاد كالخلفاء أإله مع الله فلا يكون المضطر عاما ولا الدعاء فانه مخصوص بمثل قضية الفلك وقد أجيبوا اليه في وقله تعالى : حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم الآية اه

الصفحة 6