كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)
وفي ضمنه طلب المعونة لأن إظهارهما العجز ليس إلا لذلك وقيل : ليس في الكلام ما يدل على ضعفهما بل فيه أمارات على حيائهما وسترهما ولو أرادتا إظهار العجز لقالتا لا نقدر على السقي ومعنى وأبونا شيخ كبير أنا مع حيائنا إنما تصدينا لهذا الأمر لكبره وضعفه وإلا كان عليه أن يتولاه ولعل الأولى أن يقال : إنهما أرادتا إظهار العجز عن المساجلة للضعف ولما جبلا عليه من الحياء والكلام وإن لم يكن فيه ما يدل على ضعفهما فيه ما يشير اليه لمن له قلب ويفهم من بيان معنى جوابهما المار آنفا أن جملة أبونا شيخ كبير عطف على مقدر وجوز أن تكون حالا أي نترك السقي حتى يصدر الرعاء والحال أبونا شيخ كبير وأبوهما عند أكثر المفسرين شعيب عليه السلام
فان قيل كيف ساغ لنبي الله تعالى أن يرضى لابنتيه بسقي الغنم فالجواب : أن الأمر في نفسه ليس بمحظور فالدين لا يأباه وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك والعادات متباينة فيه وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر خصوصا إذا كانت الحال حال ضرورة وذهب جماعة إلى أنه ليس بشعيب عليه السلام فأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة أنه قال كان صاحب موسى عليه السلام أثرون بن أخي شعيب النبي عليه السلام وحكى هذا القول عنه أبو حيان أيضا إلا أنه ذكر هرون بدل أثرون وحكاه أيضا عن الحسن إلا أنه ذكر بدله مروان وحكى الطبرسي عن وهب وسعيد بن جبير نحو ما حكاه أبو حيان عن أبي عبيدة وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال بلغني أن أبا الامرأتين ابن أخي شعيب وأسمه رعاويل وقد أخبرني من أصدق ان اسمه في الكتاب يثرون كاهن مدين والكاهن حبر وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال الذي استأجر موسى عليه السلام يثرب صاحب مدين وجاء في رواية أخرى عنه أن اسمه يثرون وهو موافق لما نقل عن الكتاب من الاسم ولم يذكر في هاتين الروايتين نسبته إلى شعيب عليه السلام فيحتمل أن المسمى بما فيها ابن اخيه ويحتمل أنه رجل أجنبي عنه فقد قيل : ان أباهما ليس ذا قرابة من شعيب عليه السلام وإنما هو رجل صالح وحكى الطبرسي عن بعضهم أن يثرون اسم شعيب وقد أخبرني بعض أهل الكتاب بذلك أيضا إلا أنه قال هو عندنا يثرو بدون نون في آخره والذي رأيته أنا في الفصل الثاني من السفر الثاني من توراتهم ما ترجمته ولما سمع فرعون بهذا الخبر أي خبر القتل طلب أن يقتل موسى فهرب موسى من بين يديه وصار إلى بلد مدين وجلس على بئر ماء وكان لامام مدين سبع بنات فجاءت ودلت وملأت الاحواض لسقي غنم أبيهن فلما جاء الرعاة فطردوهن قام موسى فأغاثهن وسقى غنمهن فلما جئن رعوايل أبيهن قال ما بالكن أسرعتن المجيء اليوم الخ وفي أول الفصل الثالث منه ما ترجمته وكان موسى يرعى غنم يثرو حميه أمام مدين الخ فلا تغفل وفي البحر عند الكلام في تفسير إن أبي يدعوك قيل : كان عمها صاحب الغنم وهو المزوج عبرت عنه بالأب إذ كان بمثابته والظاهر أن هذا القائل يقول : إنهما عنتا بالاب هنا العم وأنت تعلم أن هذا وأمثاله مما تقدم مما لا يقال من قبل الرأي فالمدار في قبول شيء من ذلك خبر يعول عليه والاخبار التي وقفنا عليها في هذا المطلب مختلفة ولم يتميز عندنا ما هو الارجح فيما بينها و : اني بك تعول على المشهور الذي عليه أكثر المفسرين وهو أن أباهما على الحقيقة شعيب عليه السلام إلى أن يظهر لك ما يوجب العدول عنه والظاهر من قوله تعالى : فسقى لهما أنه عليه السلام