كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

سارع إلى السقي لهما رحمة عليهما ومنشأ الترحم كونهما على الذود وكون الامة من الناس على السقي ولهذا ذهب الشيخ عبد القاهر وصاحب الكشاف إلى أن حذف المفعول في يسقون وتذودان للقصد إلى نفس الفعل وتنزيله منزلة اللازم أي يصدر منهم السقي ومنهما الذود وقال : إن كون المسقي والمذود إبلا أو غنما خارج عن المقصود بل يوهم خلافه إد لو قيل : أوقدر يسقون إبلهم وتذودان غنمهما لتوهم أن الترحم عليهما ليس من جهة أنهما على الذود والناس على السقي بل من جهة أن مذودهما غنم ومسقيهم إبل بناء على أن محط الفائدة في الكلام البليغ هو القيد الاخير وخالفهما في ذلك السكاكي فذهب إلى أن حذف المفعول من يسقون وتذودان لمجرد الاختصار والمراد يسقون مواشيهم وتذودان غنمهما وكذا سائر الافعال المذكورة في هذه الآية واختاره العلامة الثاني فقال : إن هذا أقرب إلى التحقيق لأن الترحم لم يكن من جهة صدور الذود عنهما وصدور السقي من الناس بل من جهة ذودهما غنمهما وسقي الناس مواشيهم حتى لو كانتا تذودان غير غنمهما بل مواشيهم وكان الناس يسقون غير مواشيهم بل غنمهما مثلا لم يصح الترحم ووافقه في ذلك السيد السند وقال في تحقيق المذهبين : إن الشيخين اعتبرا المفعول الذي نزل الفعلان بالنسبة اليه هو الابل والغنم مثلا أي النوعين من المواشي بدون الاضافة كما يدل عليه قولهما إن كون المسقي والمذود ابلا أو غنما الخ وكل منهما مقابل للآخر في نفسه وجعلا ما يضاف اليه كل في القول أو التقدير المفروض خارجا عن المفعول من حيث إنه مفعول غير ملحوظ معه فالمفعول عندهما ليس الا مطلق الابل والغنم فلو قدر المفعول لأدى الى فساد المعنى فانهما لو كانتا تذودان ابلا لهما على سبيل الفرض لكان الترحم باقيا بحاله لأنه إنما كان لعدم قدرتهما على السقي والسكاكي نظر إلى أن المفعول هو الغنم المضافة اليهما والمواشي المضافة اليهم وكل واحد منهما يقابل الآخر من حيث إنه مضاف فلو لم يقدر المفعول يفسد المعنى وهذا أدق نظرا وأصح معنى انتهى وتعقبه المولى عبد الحكيم السالكوتي بقوله : وفيه بحث لأن عدم التقدير ان قصد به التعميم أي يسقون مواشيهم وغير مواشيهم وتذودان غنمهما وغير غنمهما يلزم الفساد أما إذا قصد به مجرد السقي والذود من غير ملاحظة التعلق بالمفعول كما في قوله تعالى : هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون فلا لأن كون طبيعة السقي والذود منشأ الترحم لا يقتضي أن يكون عند تعلقه بمفعول مخصوص كذلك حتى يلزم أن يكون سقي غير مواشيهم وذود غير غنمهم محلا للترحم فتدبر فان منشأ ما ذكره السكاكي عدم الفرق بين الاطلاق والعموم انتهى ولا يخفى أنه ينبغي أن يضم إلى طبيعة السقي والذود بعض الحيثيات كحيثية تحقق طبيعة السقي من أقوياء متغلبين وتحقق طبيعة الذود من أمرأتين ضعيفتين مستورتين في موضع هو مجتمع الناس للسقي وإلا فالظاهر أن مجرد طبيعة السقي والذود لا تصلح منشأ الترحم
وقال بعض الأجلة : ترك المفعول في يسقون ويذودان لأن الغرض هو الفعل لا المفعول إد هو يكفي في البعث على سؤال موسى عليه السلام ومازاد على المقصود لكنه وفضول وأما البعث على المرحمة فليس هذا موضعه فان له قولهما : لا نسقي حتى يصدر الرعاء وابونا شيخ كبير ومن لم يفرق بين البعثين قال ما قال ورد بأن منشأ السؤال هو المرحمة لحالهما كما صرحوا به فسؤاله عليه السلام للتوسل إلى إعانتهما وبرهما لتفرس ضعفهما وعجزهما ولولاه لم يكن للتكلم مع الأجنبية داع وقولهما : لا نسقي الخ باعث لمزيد المرحمة لقبولها للزيادة والنقص وتعقب بأنه إنما يتم لو سلم أنه عليه السلام تفرس ضعفهما وعجزهما لأمور شاهدها

الصفحة 62