كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)
وإلا فالذود لا يدل على ذلك إذ يتحقق للضعف ولغيره وقد نقل الخفاجي كلام جمع من الفضلاء في هذا المقام منه ما ذكرنا عن بعض الأجلة ورده واعترض بما اعترض ثم قال : وأما ما اعترض به على المرحمة فخيال فاسد ومحط كلامه عليه الرحمة الانتصار لما ذهب اليه الشيخان وقد أنتصر لهما وقال بقولهما غير واحد
واعترض بعضهم على تقدير المفعول مضافا بأن الاضافة تشعر بالملك ولا ملك لأحد من الأمة والامرأتين فان الظاهر في الامة أنهم كانوا رعاء والأغلب أن الرعاء لايملكون والظاهر أن ما في يد الامرأتين كان ملكا لأبيهما ولا يخفى أن هذا الاعتراض على طرف الثمام والله تعالى أعلم هذا والظاهر أنه عليه السلام سقى لهما من البئر التي عليها الناس ويدل عليه ما روي أنه عليه السلام دفعهم عن الماء إلى أن سقى لهما وكذا ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : إن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليها أمة من الناس يسقون فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال فاذا هو بامرأتين قال ما خطبكما فحدثتاه فأتى الصخرة فرفعها وحده ثم استسقى فلم يستسق إلا دلوا واحدا حتى رويت الغنم لكن هذا مخالف لما يقتضيه ظاهر الآية من أنه عليه السلام حين ورد ماء مدين وجد الأمة يسقون ووجد الامرأتين تذودان وهذا ظاهر في مقارنة وجدانهما لوجدانهم وذودهما لسقيهم يفهم منه أن وجدانهما بعد فراغهم من السقي كما يقتضيه الخبر فلعل الخبر غير صحيح وتصحيح الحاكم محكوم عليه بعدم الاعتبار وكأن من يقول بصحته يمنع اقتضاء الآية كون وجدان الأمة يسقون ووجدان الامرأتين تذودان في أول وقت الورد فانه يقال : لما ورد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة وجب الصيام ووجبت الزكاة مثلا مع أن وجوب كل ليس في أول وقت الورود فيجوز أن يكون عليه السلام قد وجد أمة يسقون في أول وقت الورود فيجوز أن يكون عليه السلام قد وجد أمة يسقون أول وقت وروده وبعد أن فرغوا من السقي ووضعوا الصخرة على البئر وجد أمرأتين تذودان فخاطبهما بما خطبكما فكان ما كان ويحمل ذودهما على منع غنمهما عن التقدم إلى البئر لعلمهما أنها قد أطبق عليها صخرة لا يقدرون على رفعها ويتكلف في توجيه الجواب ما يتكلف أو يقول الآية على ظاهرها ويسلم اقتضاءه اتحاد الوجدانين والذوي والسقي بالزمان ويمنع أن يكون في الخبر ما ينافي في ذلك الجواز أن يكون المعنى لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان فلما فرغوا أعادوا الصخرة فاذا بالامرأتين حاضرتان عنده بين يديه فسألهما فحدثتاه الخ فما بعد الفراغ من السقي ليس وجدان الامرأتين تذودان وإنما هو حضورهما بين يديه والكل كما ترى وكأني بك تعتمد عدم صحة الخبر
وقيل : إنه عليه السلام سقى لهما من بئر أخرى فقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في خبر طويل أنه عليه السلام لما سأل الامرأتين وأجابتا قال : فهل قربكما ماء قالتا : لا إلا بئر عليها صخرة قد غطيت بها لايطيقها نفر قال فانطلقا فأريانيها فاطلقا معه فقال : بالصخرة بيده فنحاها ثم استسقى لهما سجلا واحدا فسقى الغنم ثم أعاد الصخرة إلى مكانها ثم تولى إلى الظل الذي كان هناك وهو على ما روي عن ابن مسعود ظل شجرة قيل : كانت سمرة وقيل : هو ظل جدار لا سقف له
وقيل : إنه عليه السلام جعل ظهره يلي ما كان يلي وجهه من الشمس وهو المراد بقوله تعالى : ثم تولى