كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)
فقيل قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا أي جزاء سقيك على أن ما مصدرية ولا يجوز أن تكون موصولة لأن ما يستحق عليه الأجر فعله لا ما سقاه إذ هو الماء المباح واسندت الدعوة إلى أبيها وعللتها بالجزاء لئلا يوهم كلامها ريبة وفيه من الدلالة على كمال العقل والحياء والعفة ما لا يخفى روي انه عليه السلام أجابها فقام معها فقال لها امشي خلفي وانتعتي لي الطريق فاني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك ففعلت وفي رواية أنه قال لها كوني ورائي فاني رجل لا أنظر إلى أدبار النساء ودليني على الطريق يمينا أو يسارا وروي عن ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم أنها مشت أولا أمامه فالزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها : أمشي خلفي وانتعتي لي الطريق ففعلت حتى أتيا دار سعيب عليه السلام
فلما جاء وقص عليه القصص أي ما جرى عليه من الخبر المقصوص فانه مصدر سمي به المفعول كالعلل قال لا تخف نجوت من القوم الظلمين
52
- يريد فرعون وقومه وقال ذلك لما أنه لا سلطان لفرعون بارضه ويحتمل أنه قاله عن إلهام أو نحوه واختلف في الداعي له عليه السلام إلى الاجابة فقيل الذي يلوح من ظاهر النظم الكريم أن موسى عليه السلام إنما أجاب المستدعية من غير تلعثم ليتبرك برؤية الشيخ ويستظهر برأيه لا طمعا بما صرحت به من الأجر ألا ترى إلى ما أخرج ابن عساكر عن أبي حازم قال : لما دخل موسى على شعيب عليهما السلام إدا هو بالعشاء فقال له شعيب : كل قال موسى : أعوذ بالله تعالى قال : ولم ألست بجائع قال : بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وإنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بملء الأرض ذهبا قال : لا والله ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام فجلس موسى عليه السلام فأكل وقيل : الداعي له ما به من الحاجة وليس بمستنكر منه عليه السلام أن يقبل الأجر لإضرار الفقر والفاقة
فقد أخرج الامام أحمد عن مطرف بن الشخير قال أما والله لو كان عند نبي الله تعالى شيء ما تبع مذقتها ولكن حمله على ذلك الجهد واستدل بعضهم على أن ذهابه عليه السلام رغبة بالجزاء بما روي عن عطاء بن السائب أنه عليه السلام رفع صوته بقوله رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ليسمعهما ولذلك قيل : له ليجزيك الخ وأجيب بأنه ليس بنص لاحتمال أنه إنما فعله ليكون ذريعة إلى استدعائه لا إلى استيفاء الأجر ولا ضير فيما أرى أن يكون عليه السلام قد ذهب رغبة قد ذهب رغبة في سد جوعته وفي الاستظهار برأي الشيخ ومعرفته ولا أقول أن الرغبة في سد الجوعة رغبة في استيفاء الاجر على عمل اةخرة أو مستلزمة لها ودعوى أن الذي يلوح من ظاهر النظم الكريم أنه عليه السلام إنما أجاب للتبرك والاستظهار بالرأي لا تخلو عن خفاء وعمله عليه السلام بقول امرأة لأنه من باب الرواية ويعمل بقول الواحد حرا كان أو عبدا ذكرا كان أو انثى إذا كان كذلك ومماشاته امرأة أجنبية مما لا بأس به في نظائر تلك الحال مع ذلك الاحتياط والتورع قالت إحداهما وهي التي استدعته إلى أبيها وهي التي زوجها من موسى عليهما السلام يا أبت استئجره أي لرعي الأغنام والقيام بأمرها وأصل الاستئجار كما قال الراغب طلب الشيء بالاجرة ثم عبر به عن تناوله بها وهو المراد هنا وكذأ في قوله سبحانه : إن خير من استئجرت القوي الأمين وهو تعليل جار مجرى الدليل على أنه عليه