كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

السلام حقيق بالاستئجار المفهوم من طلب استئجاره وبعضهم رتب من الآية قياسا من الشكل الأول هكذا هو قوي أمين وكل قوي أمين لائق بالاستئجار ينتج هو لائق بالاستئجار وهو المدعى المفهوم من الطلب وتعقب بأن هذا ظاهر لو كان خير خبرا وليس هو كذلك وأجيب بأن المعنى على ذلك إلا أنه جعل أسما للاهتمام بأمر الخيرية لأنها أم الكمال المبني عليها غيرها وفي الكشاف فان قيل : كيف جعل خير من استأجرت اسما لإن والقوي الأمين خبرا قلت : هو مثل قوله : ألا إن خير الناس حيا وهالكا أسير ثقيف عندهم في السلاسل في أن العناية هي سبب التقديم وقد صدقت حتى جعل لها ما هو أحق أن يكون خبرا أسما وأراد بذلك على ما قيل : أحقية كون خير خبرا من حيث الصناعة ووجه بأن خيرا مضاف إلى من وهي نكرة فكذا هو والإخبار عن النكرة بالمعرفة خلاف الظاهر وإن جوزوه في اسمي التفضيل والاستفهام ولو جعلت موصولة فاضافة أفعل التفضيل لفظية لا تفيد تعريفا كما هو أحد قولين للنحاة فيها وعلى القول بافادتها التعريف يقال : المعرف باللام أعرف من الموصول وما أضيف اليه وتعقب بأن تعريف القوي الامين للجنس وما فيه تعريف الجنس قد ينزل منزلة النكرة وأجيب بأن الموصول إذا أريد به الجنس كذلك وهنا تصح هذه الارادة ليجيء التعدد الذي يقتضيه خير وحيث كان المضاف إلى شيء دونه يكون القوي الأمين أحق بالاسمية وخير أحق بالخبرية وإذا قلت بأن أحقية الخبرية لأن سوق التعليل يقتضيها إلا أنه عدل إلى الاسمية للاهتمام خلصت من كثير من المناقشات وقال لي الشيخ خليل أفندي الآمدي يوم اجتمعت به وأنا شاب عند وروده إلى بغداد فجرى بحث هذه الآية الكريمة : إن القياس المأخوذ منها من الشكل الثاني هكذا موسى القوي الأمين وخير من استأجرت القوي الأمين ينتج موسى خير من استأجرت فقلت : أظهر ما يرد على هذا أن شرط انتاج الشكل الثاني بحسب الكيفية اختلاف مقدمتيه بالايجاب والسلب بأن تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة وهو منتف فيما ذكرت فسكت وأعرض عن البحث حذرا من الفضيحة
وأنت تعلم أن أدلة القرآن لا يلزم فيها الترتيب الذي وضعه المنطقيون فذلك صناعة أغنى الله تعالى العرب عنها وما ذكر من أن جعل خير اسما للاهتمام هو ما اختاره غير واحد وجوز الطيبي أن يكون تقديمه وجعله اسما من باب القلب للمبالغة والظاهر أن أل في القوي الأمين للجنس فيندرج موسى عليه السلام وهو وجه الاستدلال وذكر الاستئجار بلفظ الماضي مع أن الظاهر ذكره بلفظ المضارع للدلالة على أنه أمر قد جرب وعرف وجوز الطيبي أن يكون المراد بالقوي الأمين موسى عليه السلام فكأنها قالت : إن خير من استأجرت موسى والاول أولى ثم إن كلامها هذا كلام حكيم جامع لايزاد عليه لأنه إدا اجتمعت الخصلتان أعني الكفاية والامانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك وقد استغنت بارسال هذأ الكلام الذي سياقه سياق المثل والحكمة أن تقول : استأجره لقوته وأمانته ولعمري أن مثل هذا المدح من المرأة للرجل أجمل من المدح الخاص وأبقى للحشمة وخصوصا إن كانت فهمت أن غرض أبيها أن يزوجها منه ومعرفتها قوته عليه السلام لما رأت من دفعه الناس عن الماء وحده حتى سقى لهما ومعرفتها أمانته من عدم تعرضه لها بقبيح ما مع وحدتها وضعفها وروي أنها لما قالت ما قالت قال لها أبوها : ما اعلمك بقوته

الصفحة 66