كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

وأنت تعلم بانه بعيد غاية البعد ولعل الاولى الحمل على الجنس والتقييد بالمشيئة وهو سبحانه لايشاء إلا ما تقتضيه الحكمة والدعاء بشيء من قبيل أحد الأسباب العادية له فافهم ويكشف السوء أي يرفع عن الانسان ما يعتريه من الامر الذي يسوؤه وقيل : الكشف أعم من الدفع أو الرفع وعطف هذه الجملة على ما قبلها من قبيل عطف العام على الخاص وقيل : المعنى ويكشف سوءه أي المضطر أو ويكشف عنه السوء والعطف من قبيل عطف التفسير فان إجابة المضطر هي الكشف السوء عنه الذي صار مضطرا بسببه وهو كما ترى
ويجعلكم خلفاء الأرض أي خلفاء من قبلكم من الامم في الأرض بأن وركم سكناها والتصرف فيها بعدهم وقيل : المراد بالخلافة الملك والتسلط وقرأ الحسن ونجعلكم بنون العظمة ءإله مع الله الذي هذ شؤونه ونعمه تعالى قليلا ما تذكرون
26
- أي تذكرا قليلا أو زمانا قليلا تتذكرون فقليلا نصب على المصدرية أو على الظرفية لانه صفة مصدر أو ظرف مقدر و ما مزيدة على التقديرين لتأكيد معنى القلة التي أريد بها العدم أو ما يجري مجراه في الحقارة وعدم الجدوى ومفعول تذكرون محذوف للفاصلة فقيل : التقدير تذكرون نعمه وقيل : تذكرون مضمون ما ذكر من الكلام وقيل : تذكرون ما مر لكم من البلاء والسرور ولعل الأولى نعمه المذكورة وللايذان بأن المتذكر في غاية الوضوح بحيث لايتوقف إلا على التوجه اليه كان التذييل بنفي التذكر وقرأ الحسن والاعمش وأبو عمر يذكرون بياء الغيبة وقرأ أبو حيوة تتذكرون بتاءين أمن يهديكم في ظلمت البر والبحر أي يرشدكم في ظلمات الليالي في البر والبحر بالنجوم ونحوها من العلامات وإضافة الظلمات إلى البر والبحر للملابسة وكونها فيهما وجوز أن يراد بالظلمات الطرق المشبهات مجازا فانها كالظلمات في إيجاب الحيرة
ومن يرسل الريح بشرا بين يدي رحمته قد تقدم تفسير نظير هذه الجملة ءإله مع الله نفي لأن يكون معه سبحانهإله آخر وقوله تعالى تعالى الله عما يشركون
36
- تقرير وتحقيق له وإظهار الاسم الجليل في موضع الاضمار للاشعار بعلة الحكم أي تعالى وتنزه بذاته المنفردة بالألوهية المستتبعة لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال والجمال المقتضية لكون جميع المخلوقات مقهورة تحت قدرته عما يشركون أي عن وجود ما يشركونه به سبحانه بعنوان كونه إلها وشريكا له تعالى أو تعالى الله عن شركة أو مقارنة ما يشركونه به سبحانه ويجوز أن تكون ما مصدرية أي تعالى الله عن إشراكهم وقريء عما تشركون بناء الخطاب
أمن يبدؤا الخلق أي يوجده مبتدئا له ثم يعيده يكرر إيجاده ويرجعه كما كان وذلك بعد اهلاكه ضرورة أن الاعادة لاتعقل إلا بعده والظاهر أن المراد بهذا ما يكون من الاعادة بالبعث بعد الموت فأل في الخلق ليست للاستغراق لأن منه ما لايعاد بالاجماع ومنه ما في إعادته خلاف بين المسلمين وتفصيله في محله
واستشكل الحمل على الاعادة بالبعث بأن الكلام مع المشركين وأكثرهم منكرون لذلك فكيف يحمل الكلام عليه ويخاطبون به خطاب المعترف وأجيب بأن تلك الاعادة لوضوح براهينها جعلوا كأنهم معترفون بها لتمكنهم من معرفتها فلم يبق لهم عذر في الانكار وقيل : إن منهم من اعترف بها والكلام بالنسبة اليه وليس بذاك وأما تجويز كون أل للجنس وأن المراد بالبدء والاعادة ما يشاهد في عالم الكون والفساد من

الصفحة 7