كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

إنشاء بعض الاشياء وإهلاكها ثم إنشاء أمثالها وذلك مما لاينكره المشركون للاعادة بعد الموت فليس بشيء أصلا كما لايخفى ومن يرزقكم من السماء والأرض أي بأسباب سماوية وأرضية قد رتبها على ترتيب بديع تقتضيه الحكمة التي عليها بني أمر التكوين ءإله آخر موجود مع الله حتى يجعل شريكا له سبحانه في العبادة وقوله تعالى : قل هاتوا برهانكم أمر له عليه الصلاة و السلام بتبكيتهم إثر تبكيت أي هاتوا برهانا عقليا أو نقليا يدل على أن معه عز و جل إلها وقيل : أي هاتوا برهانا على أن غيره تعالى يقدر على شيء مما ذكر من أفعاله عز و جل وتعقب بأن المشركين لايدعون ذلك صريحا ولا يلتزمون كونه من لوازم الألوهية وإن كان منها في الحقيقة فمطالبتهم بالبرهان علي لا على صريح دعواهم مما لاوجه له وفي إضافة البرهان إلى ضميرهم تهكم بهم لما فيها من إيهام أن لهم برهانا وأنى لهم ذلك وقيل : إن الاضافة لزيادة التبكيت كأنه قيل : نحن نقنع منكم بما تعدونه أنتم أيها الخصوم برهانا يدل على ذلك وإن لم نعده نحن ولا أحد من ذوي العقول كذلك ومع هذا أنتم عاجزون عن الاتيان به إن كنتم صدقين
46 - أي تلك الدعوى واستدل به على أن الدعوى لاتقبل مالم تنور بالبرهان
هذا وفي الكشف أن مبنى هذه الآيات الترقي لأن الكلام في إثبات أن لاخيرية في الاصنام مع أن كل خير منه تبارك وتعالى فأجمل أولا بذكر أسمه سبحانه الجامع في قوله تعالى : أألله ثم أخذ في المفصل فجعل خلق السموات والارض تمهيدا لإنزال الماء وإنبات الحدائق لابل للاخير يدل عليه الالتفات هنالك والتأكيد بقوله تعالى : ما كان لكم أن تنبتوا كأنه يذكر سبحانه ما فيها من المنافع الكثيرة لونا وطعما ورائحة واسترواح ظل
ولما أثبت أن فعله الخاص أنكر أن يكون له شريك وجعلهم عادلين عن منهج الصواب أو عادلين به سبحانه من لايستحق والأول أظهر ثم ترقى منه إلى ما هو أكثر لهم خيرا وأظهر في نفعهم من جعل الأرض قرارا وما عقبه فذكر جل وعلا مالايتم الانبات المذكور إلا به مع منافع يتصاغر لديها منفعة الانبات وعقبه بجهلهم المطلق المنتج للعدول المذكور وأسوأ منه وأسوأ ثم بالغ في الترقي فذكر ما هو لصيق بهم دون واسطة من دفع أو نفع فخص إجابتهم عند الاضطرار وعم بكشف السوء والمضار هذا فيما يرجع إلى دفع المحذور وإقامتهم خلفاء في الأرض ينتفعون بها وبما فيها كما أحبوا وهذا أتم من الاولين وأعم وأجل موقعا وأهم ولهذا فصل بعدم التذكر وبولغ فيه تلك المبالغات وأما ذكر الهداية في ظلمات البر والبحر وذكر إرسال الرياح المبشرة استطرادا لمناسبة حديث الرياح مع الهداية في البحر فمن متممات الخلافة وإجابة المضطر وكشف السوء فافهم
ونبه على هذا بأنه فصل بقوله تعالى : تعالى الله عما يشركون ثم ختم ذلك كله بالاضراب عن هذا الاسلوب بتذكير نعمتي الايجاد والاعادة فكل نعمة دونهما لتوقف النعم الدنيوية والأخروية عليها وعقبه باجمال يتضمن جميع ما عدده أولا وزيادة أعني رزقهم من السماء والارض وأدمج في تأخيره أنه دون النعمتين ولهذا بكتهم بطلب البرهان فيما ليس وسجل بكذبهم دلالة على تعلقه بالكل وأن هذ الخاتمة ختام مسكي والمعرض عن تشام نفحاته مسكي وعن هذا التقرير ظهر وجه الابدال مكشوف النقاب والحمد لله تعالى المنعم الوهاب اه

الصفحة 8