كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

وفي غرة التنزيل للراغب ما يؤيده وقد لخصه الطيبي في شرح الكشاف والله تعالى أعلم بأسرار كتابه
قل لايعلم من في السموات والارض الغيب إلا الله بعدما تحقق تفرده تعالى بالألوهية ببيان اختصاصه بالقدرة الكاملة التامة والرحمة الشاملة العامة عقب بذكر مالاينفك عنه وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب تكميلا لما قبله وتمهيدا لما بعده من أمر البعث وفي البحر قيل : سأل الكفار عن وقت القيامة التي وعدوها الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وألحوا عليه عليه الصلاة و السلام فنزل قوله : قل لايعلم الآية فمناسبتها على هذا لما قبلها من قوله تعالى : أمن يبدأ الخلق ثم يعيده أتم مناسبة والظاهر المتبادر إلى الذهن أن من فاعل يعلم وهو موصول أو موصوف والغيب مفعوله والاسم الجليل مرفوع على البدلية من من والاستثناء على ما قيل : منقطع تحقيقا متصل تأويلا على حد ما في قول الراجز : وبلدة ليس فيها أنيس إلا اليعافير وإل العيس بناء على إدخال اليعافر في الانيس بضرب من التأويل فيفيد المبالغة في نفي علم الغيب عمن في السموات والارض بتعليق علمهم إياه بما هو بين الاستحالة من كونه تعالى منهم كأنه قيل : إن كان الله تعالى ممن فيها ففيهم من يعلم الغيب يعني أن استحالة علمهم الغيب كاستحالة أن يكون الله تعالى منهم ونظير هذا مما لااستثناء فيه قوله :
تحية بينهم ضرب وجيع
وقيل : هو منقطع على حد الاستثناء في قوله : عشية ما تغني الرماح مكانها ولا النبل إلا المشرفي المصمم يعني أنه من اتباع أحد المتباينين الآخر نحو ما أتاني زيد إلا عمرو وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه وقد ذكرهما سيبويه وذكر ابن مالك أن الاصل فيهما : ما أتاني أحد إلا عمرو وما أعانه أحد إلا إخوانه فجعل مكان أحد بعض مدلوله وهو زيد وإخوانكم ولو لم يذكر الدخلاء فيمن نفي عنهم الاتيان والاعانة ولكن ذكرا توكيدا لقسطهما من النفي دفعا لتوهم المخاصب أن المتكلم لم يخطر له هذا الذي أكد به فذكر تأكيدا وعليه يكون الاصل في الآية لايعلم أحد الغيب إلا الله فحذف أحد وجعل مكانه بعض مدلوله وهو من في السموات والارض والبعض الآخر من ليس فيهما ويكفي في كونه مدلولا له صدقه عليه ولايجب في ذلك وجوده في الخارج فقد صرحوا أن من الكلي ما يمتنع وجود بعض أفراده أو كلها في الخارج على أن من أجله الاسلاميين من قال بوجود شيء غير الله عز و جل وليس في السموات ولا في الأرض وهو الروح الأمرية فانها لامكان لها عندهم على نحو العقول المجردة عند الفلاسفة وقال : إن شرط الاتباع في هذا النوع أن يستقيم حذف المستثنى منه والاستغناء عنه بالمستثنى فان لم يوجد هذا الشرط تعين النصب عند التميمي والحجازي كما في قوله تعالى : أن اتباع المنقطع من تغليب العاقل على غيره ويلزم عليه أن يختص بأحد وشبهه وهو فاسد كما قال ابن خروف لأن ما يبدل منه في هذا الباب ما ذكر أكثر من أن يحصى اه
وكلام الزمخشري يوهم صدره أن الاستثناء هنا من قبيل الاستثناء في المثالين اللذين ذكرهما سيبويه وفي البيت الذي ذكرناه قبيلهما ويفهم عجزه أنه من قبيل الاستثناء في الرجز السابق وأن الداعي إلى اختيار المذهب التميمي نكتة المبالغة التي سمعتها وقد صرحوا أن إفادة تلك النكتة إنما تتأتى إدا جعل الاستثناء منقطعا تحقيقا متصلا تأويلا ولعل الحق أنه إذا أريد الدلالة على قوة النفي تعين جعل الاستثناء نحو الاستثناء في قوله : وبلدة

الصفحة 9