كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

والأقلام وإنما هو من حديث المداد وفي البحر أن الواو على هذه القراءة للحال أو للعطف على ما تقدم وإذا كانت للحال كان بحر مبتدأ وسوغ الإبتداء به مع كونه نكرة تقدم تلك الواو فقد عد من مسوغات الإبتداء بالنكرة كما في قوله : سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا محياك أخفى ضوءه كل شارق ولا يخفى أنه إذا عطف على فاعل ثبت فجملة يمده في موضع الصفة له لا حال منه وجوز ذلك من جوز مجيء الحال من النكرة والظاهر على تقدير كونه مبتدأ جعل الجملة خبره ولا حاجة إلى جعل خبره محذوفا كما فعل إبن جني
وقرأ إبن مسعود وأبي تمده بتاء التأنيث من مد كالذي في قراءة الجمهور وقرأ إبن مسعود أيضا والحسن وإبن مصرف وإبن هرمز يمده بضم الياء التحتية من الإمداد قال إبن الشيخ : يمد بفتح فضم ويمد بضم فكسر لغتان بمعنى وقرأ جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما والبحر مداده أي ما يكتب به من الحبر وقال إبن عطية : هو مصدر ما نفدت كلمات الله جواب لو وفي الكلام إختصار يسمى حذف إيجاز ويدل على المحذوف السياق والتقدير ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر ممدود بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله تعالى ما نفدت لعدم تناهيها ونفد تلك الأقلام والمداد لتناهيها ونظير ذلك في الإشتمال على إيجاز الحذف قوله تعالى : أؤ به أذى من رأسه ففدية أي فحلق رأسه لدفع ما به من الأذى ففدية والمراد بكلماته تعالى كلمات علمه سبحانه وحكمته جل شأنه وهو الذي يقتضيه سبب النزول على ما أخرج إبن جرير عن عكرمة قال : سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الروح فأنزل سبحانه ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أتيتم من العلم فقالوا : تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فنزلت ولو أن إلخ وظاهر هذا أن اليهود قالوا ذلك له عليه الصلاة و السلام مشافهة وهو ظاهر في أن الآية مدنية وقيل : أنهم أمروا وفد قريش أن يقولوا له صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك وهذا القائل يقول : إنها مكية وحاصل الجواب أنه وإن كان ما أوتيتموه خيرا كثيرا لكونه حكمة إلا أنه قليل بالنسبة إلى حكمته عزوجل وفي رواية أنه نزل بمكة قوله تعالى : ويسألونك إلخ فلما هاجر عليه الصلاة و السلام أتاه أحبار اليهود فقالوا بلغنا أنك تقول : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أفعنيتنا أم قومك فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : كلا عنيت فقالوا : ألست تتلو فيما جاءك إنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فقال عليه الصلاة والتحية : هي في علم الله تعالى قليل وقد أتاكم ما إن عملتم به نجوتم قالوا : يامحمد كيف تزعم هذا وأنت تقول : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فكيف يجتمع فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : هذا علم قليل وخير كثير فأنزل الله تعالى هذه الآية وهذا نص في أن الآية مدنية وقيل : المراد بها مقدوراته جل وعلا وعجائبه عزوجل التي إذا أراد سبحانه شيئا منها قال تبارك وتعالى له : كن فيكون ومن ذلك قوله تعالى في عيسى : وكلمته ألقاها إلى مريم وإطلاق الكلمات على ما ذكر من إطلاق السبب على المسبب وعلى هذا وجه ربط الآية بما قبلها أظهر على ما قيل وهو أنه سبحانه لما

الصفحة 100