كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
قال : ولله ما في السموات والأرض وكان موهما لتناهي ملكه جل جلاله أردف سبحانه ذلك بما هو ظاهر بعدم التناهي وهذا ما أختاره الإمام في المراد بكلماته تعالى إلا أن في إنطباقه على سبب النزول خفاء وعن أبي مسلم المراد بها ما وعد سبحانه به أهل طاعته من الثواب وما أوعد جل شأنه به أهل معصيته من العقاب وكأن الآية عليه بيان لأكثرية ما لم يظهر بعد من ملكه تعالى بعد بيان كثرة ما ظهر وقيل : المراد بها ما هو المتبادر منها بناء على ما أخرج عبدالرزاق وإبن جرير وإبن المنذر وغيرهم عن قتادة قال : قال المشركون إنما هذا كلام يوشك أن ينفد فنزلت ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام الآية وفي وجه ربط الآية عليه بما قبلها وكذا بما بعدها خفاء جدا إلا أنه لا يقتضي كونها مدنية وإيثار الجمع المؤنث السالم بناء على أنه كجمع المذكر جمع قلة لا شعاره وإن إقترن بما قد يفيد معه الإستغراق والعموم من أل أو الإضافة نظرا لأصل وضعه وهو القلة بأن ذلك لا يفي بالقليل فكيف بالكثير وقرأ الحسن ما نفد بغير تاء كلام الله بدل كلمات الله إن الله عزيز لا يعجزه جل شأنه شيء حكيم 72 لا يخرج عن علمه تعالى وحكمته سبحانه شيء والجملة تعليل لعدم نفاد كلماته تبارك وتعالى
ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة أي إلا كخلقها وبعثها في سهولة التأتي بالنسبة إليه عزوجل إذ لا يشغله تعالى شأن عن شأن لأن مناط وجود الكل تعلق إرادته تعالى الواجبة أو قوله جل وعلا : كن مع قدرته سبحانه الذاتية وإمكان المتعلق ولا توقف لذلك على آلة ومباشرة تقتضي التعاقب ليختلف عنده تعالى الواحد والكثير كما يختلف ذلك عند العباد إن الله سميع يسمع كل مسموع بصير 82 يبصر كل مبصر في حالة واحدة لا يشغله إدراك بعضها عن إدراك بعض فكذا الخلق والبعث وحاصله كما أنه تعالى شأنه ببصر واحد يدرك سبحانه المبصرات وبسمع واحد يسمع جل وعلا المسموعات ولا يشغله بعض ذلك عن بعض كذلك فيما يرجع إلى القدرة والفعل فهو إستشهاد بما سلموه فشبه المقدورات فيما يراد منها بالمدركات فيما يدرك منها كذا في الكشف وأستشكل كون ذلك مسلما بأنه قد كان بعضهم إذا طعنوا في الدين يقول أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فنزل وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه عليم بذات الصدور
وأجيب بأنه لا إعتداد بمثله من الحماقة بعد ما رد عليهم ما زعموا وأعلموا بما أسروا وقيل : إن الجملة تعليل لإثبات القدرة الكاملة بالعلم الواسع وأن شيئا من المقدورات لا يشغله سبحانه عن غيره لعلمه تعالى بتفاصيلها وجزئياتها فيتصرف فيها كما يشاء كما يقال : فلان يجيد عمل كذا لمعرفته بدقائقه ومتمماته والمقصود من إيراد الوصفين إثبات الحشر والبشر لأنهما عمدتان فيه ألا ترى كيف عقب ذلك بما يدل على عظيم القدرة وشمول العلم
وأياما كان يندفع توهم أن المناسب لما قبل أن يقال : إن الله قوي قدير أو نحو ذلك دون ما ذكر لأن الخلق والبعث ليسا من المسموعات والمبصرات وعن مقاتل أن كفار قريش قالوا : إن الله تعالى خلقنا أطوارا نطفة علقة مضغة لحما فكيف يبعثنا خلقا جديدا في ساعة واحدة فنزلت وذكر النقاش أنها نزلت في أبي بن خلف وأبي الأسود ونبيه ومنبه إبني الحجاج وذكر في سبب نزولها فيهم نحو ما ذكر وعلى كون سبب النزول ذلك قيل : المعنى أنه تعالى سميع بقولهم ذلك بصير بما يضمرونه وهو كما ترى ألم تر قيل : خطاب لسيد المخاطبين وقيل : عام لكل من يصلح للخطاب وهو الأوفق لما سبق وما لحق أي ألم تعلم