كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
ثلثمائة وخمسة وستين ويكبسون في الرابعة بيوم والفرس كانوا يكبسون في مائة وعشرين سنة بشهر وأعتبرها بعض آخر كالقبط والمستعملين لتريخ الفرس من المحدثين ثلثمائة وستين يوما بليلته وأسقط الكسر رأسا ولجرى القمر آخر الشهر القمري الحقيقي وهو زمان مفارقة القمر أي وضع يعرض له من الشمس إلى عوده إليه وجعلوا إبتداؤه من إجتماع الشمس والقمر وزمان ما بين الإجتماعين المتتاليين كط لا ن من الأيام ودقائقها وثوانيها تقريبا وأما الشهر الغير الحقيقي فالمعتبر فيه الهلال ويختلف زمان ما بين الهلالين كما هو معروف
قيل : وعلى هذا فالجملة بيان لحكم تسخيرهما أو تنبيه على كيفية إيلاج أحد الملوين في الآخر وكون ذلك بحسب إختلاف جريان الشمس على مداراتها اليومية فكلما كان جريانها متوجها إلى سمت الرأس تزداد القوس التي فوق الأرض كبرا فيزداد النهار طولا بإنضمام بعض أجزاء الليل إليه إلى أن يبلغ المدار الذي هو أقرب المدارات إلى سمت الرأس وذلك عند بلوغها إلى رأس السرطان ثم ترجع متوجهة إلى التباعد عن سمت الرأس فلا تزال القسى التي فوق الأرض تزداد صغرا فيزداد النهار قصرا بإنضمام بعض أجزائه إلى الليل إلى أن يبلغ المدار الذي هو أبعد المدارات اليومية عن سمت الرأس وذلك عند بلوغها رأس الجدي
وأنت تعلم أنه لا مدخل لجريان القمر في الإيلاج فالتعرض له في الآية الكريمة يبعد هذا الوجه ولعل الأظهر على تقدير جعل جريهما عبارة عن حركتهما الخاصة بهما أن يجعل المسمى عبارة عن يوم القيامة أو يجعل عبارة عن آخر السنة والشهر المعروفين عند العرب فتأمل وجرى يتعدى بإلى تارة وباللام أخرى وتعديته بالأول بإعتبار كون المجرور غاية وبالثاني بإعتبار كونه غرضا فتكون اللام لام تعليل أو عاقبة وجعلها الزمخشري للإختصاص ولكل وجه ولم يظهر لي وجه إختصاص هذا المقام بإلى وغيره باللام وقال النيسابوري : وجه ذلك أن هذه الآية صدرت بالتعجيب فناسب التطويل وهو كما ترى فتدبر وقوله تعالى : وأن الله بما تعملون خبير 92 عطف على قوله : إن الله يولج الليل إلخ داخل معه في حيز الرؤية على تقديري خصوص الخطاب وعمومه فإن من شاهد مثل ذلك الصنع الرائق والتدبير اللائق لا يكاد يغفل عن كون صانعه عزوجل محيطا بجلائل أعماله ودقائقها وقرأ عياش عن أبي عمرو بما يعملون بياء الغيبة ذلك إشارة إلى ما تضمنته الآيات وأشارت إليه من سعة العلم وكمال القدرة وإختصاص الباري تعالى شأنه بها بأن الله هو الحق أي بسبب أنه سبحانه وحده الثابت المتحقق في ذاته أي الواجب الوجود
وأن ما يدعون من دونه إلها الباطل المعدوم في حد ذاته وهو الممكن الذي لا يوجد إلا بغيره وهو الواجب تعالى شأنه وأن الله هو العلي على الأشياء الكبير 03 عن أن يكون له سبحانه شريك أو يتصف جل وعلا بنقص لا بشيء أعلى منه تعالى شأنه شأنا وأكبر سلطانا ووجه سببية الأول لما ذكر أن كونه تعالى وحده واجب الوجود في ذاته يستلزم أن يكون هو سبحانه وحده الموجد لسائر المصنوعات البديعة الشأن فيدل على كمال قدرته عزوجل وحده والإيجاب قد أبطل في الأصول ومن صدرت عنه جميع هاتيك المصنوعات لا بد من أن يكون كامل العلم على ما بين في الكلام ووجه سببية الثالث لذلك أن كونه تعالى وحده عليا على جميع الأشياء متسلطا عليها متنزها عن أن يكون له سبحانه شريك أو يتصف بنقص عزوجل يستلزم