كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
وإبن عامر وأبو بكر تدعون بتاء الخطاب ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله إستشهاد آخر على باهر قدرته جل وعلا وغاية حكمته عزوجل وشمول أنعامه تبارك وتعالى والمراد بنعمة الله تعالى إحسانه سبحانه في تهيئة أسباب الجري من الريح وتسخيرها فالباء للتعدية كما في مررت بزيد أو سببية متعلقة بتجري
وجوز أن يراد بنعمته تعالى ما أنعم جل شأنه به مما تحمله الفلك من الطعام والمتاع ونحوه فالباء للملابسة و المصاحبة متعلقة بمحذوف وقع حالا من ضمير الفلك أي تجري مصحوبة بنعمته تعالى وقرأ موسى بن الزبير الفلك بضم اللام ومثله معروف في فعل مضموم الفاء
حكى عن عيسى بن عمر أنه قال : ما سمع فعل بضم الفاء وسكون العين إلا وقد سمع فيه فعل بضم العين
وفي الكشاف كل فعل يجوز فيه فعل كما يجوز في كل فعل فعل وجعل ضم العين للإتباع وإسكانها للتخفيف
وقرأ الأعرج والأعمش وإبن يعمر بنعمات الله بكسر النون وسكون العين جمعا بالألف والتاء وهو جمع نعمة بكسر فسكون ويجوز كما قال غير واحد في كل جمع مثله تسكين العين على الأصل وكسرها إتباعا للفاء وفتحها تخفيفا
وقرأ إبن أبي عبلة بنعمات الله بفتح النون وكسر العين جمعا لنعمة بفتح النون وهي أسم للتنعم وقيل : بمعنى النعمة بالكسر ليريكم من آياته أي بعض دلائل ألوهيته تعالى ووحدته سبحانه وقدرته جل شأنه وعلمه عزوجل وقوله تعالى : إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور 13 تعليل لما قبله أي إن فيما ذكر لآيات عظيمة في ذاتها كثيرة في عددها لكل مبالغ في الصبر على بلائه سبحانه ومبالغ في الشكر على نعمائه جل شأنه
و صبار شكور كناية عن المؤمن من باب حي مستوى القامة عريض الأظفار فإنه كناية عن الإنسان لأن هاتين الصفتين عمدتا الإيمان لأنه وجميع ما يتوقف عليه إما ترك للمألوف غالبا وهو بالصبر أو فعل لما يتقرب به وهو شكر لعمومه فعل القلب والجوارح واللسان ولذا ورد الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر وذكر الوصفين بعد الفلك فيه أتم مناسبة لأن الراكب فيه لا يخلو عن الصبر والشكر وقيل : المراد بالصبار كثير الصبر على التعب في كسب الأدلة من الأنفس والآفاق وإلا فلا إختصاص للآيات بمن تعب مطلقا وكلا الوصفين بنيا بناء مبالغة وفعال على ما في البحر أبلغ من فعول لزيادة حروفه قيل : وإنما أختير زيادة المبالغة في الصبر إيماء إلى أن قليله لشدة مرارته وزيادة ثقله على النفس كثير وإذا غشيهم موج أي علاهم وغطاهم من الغشاء بمعنى الغطاء من فوق وهو المناسب هنا وقيل : أي أي أتاهم من الغشيان بمعنى الإتيان وضمير غشيهم أن إتحد بضمير المخاطبين قبله ففي الكلام إلتفات من الخطاب إلى الغيبة وإلا فلا إلتفات والموج ما يعلو من غوارب الماء وهو أسم جنس واحده موجة وتنكيره للتعظيم والتكثير ولذا أفرد مع جمع المشبه به في قوله تعالى : كالظلل وهو جمع ظلة كغرفة وغرف وقربة وقرب والمراد بها ما أظل من سحاب أو جبل أو غيرهما
وقال الراغب : الظلة السحابة تظل وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره وفسر قتادة الظلل هنا بالسحاب