كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

لأن من غدر لم يصبر على العهد وكفور مقابل لشكور ياأيها الناس أتقوا ربكم وأخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده أمر بالتقوى عل ىسبيل الموعظة والتذكير بيوم عظيم بعد ذكر دلائل الوحدانية ويجزي من جزى بمعنى قضى ومنه قيل للمتقاضي المتجازي أي لا يقضي والد عن ولده شيئا
وقرأ أبو السمال وعامر بن عبدالله وأبو السوار لا يجزيء بضم الياء وكسر الزاي مهموزا ومعناه لا يغني والد عن ولده ولا يفيده شيئا من أجزأت عنك مجزأ فلان أي أغنيت
وقرأ عكرمة لا يجزي بضم الياء وفتح الزاي مبنيا للمفعول والجملة على القراءات صفة يوما والراجع إلى الموصوف محذوف أي فيه فأما أن يحذف برمته وأما على التدريج بأن يحذف حرف الجر فيعدى الفعل إلى الضمير ثم يحذف منصوبا وقوله تعالى : ولا مولود أما عطف على والد فهو فاعل يجزي وقوله تعالى : هو جاز عن والده شيئا في موضع الصفة له والمنفي عنه هو الجزاء في الآخرة والمثبت له الجزاء في الدنيا أو معنى هو جاز أي من شأنه الجزاء لعظيم حق الوالد أو المراد بلا يجزي لا يقبل منه ما هو جاز به وأما مبتدأ والمسوغ للإبتداء به مع أنه نكرة تقدم النفي وذهل المهدوي عن ذلك فمنع صحة كونه مبتدأ وجملة هو جاز خبره و شيئا مفعول به أو منصوب عل ىالمصدرية لأنه صفة مصدر محذوف وعلى الوجهين قيل تنازعه يجزي وجاز وإختيار ما لا يفيد التأكيد في الجملة الأولى وما يفيده في الجملة الثانية لأن أكثر المسلمين وأجلتهم حين الخطاب كان آباؤهم قد ماتوا عل ىالكفر وعلى الدين الجاهلي فلما كان غناء الكافر عن المسلم بعيدا لم يحتج نفيه إلى التأكيد ولما كان غناء المسلم عن الكافر مما يقع في الأوهام أكد نفيه قاله الزمخشري
وتعقبه إبن المنير بأنه يتوقف صحته على أن هذا الخطاب كان خاصا بالموجودين حينئذ والصحيح أنه عام لهم ولكل من ينطلق عليه أسم الناس ورده في الكشف بأن المتقدمتين فاسدتان أما الثانية فلما تقرر في أصول الفقه أن ياأيها الناس يتناول الموجودين وأما لغيرهم فبالأعلام أو بطريقه والمالكية موافقة وأما الأولى فعلى تقدير التسليم لا شك أن أجلة المؤمنين وأكابرهم إلى إنقراض الدنيا هم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم ومعلوم أن أكثرهم قبض آباؤهم على الكفر فمن أين التوقيف
وأختار إبن المنير في وجه ذلك أن الله تعالى لما أكد الوصية بالآباء وقرن وجوب شكرهم بوجوب شكره عزوجل وأوجب على الولد أن يكفي والده ما يسوءه بحسب نهاية إمكانه قطع سبحانه ههنا وهم الوالد في أن يكون الولد في القيامة يجزيه حقه عليه ويكفيه ما يلقاه من أهوال يوم القيامة كما أوجب الله تعالى عليه في الدنيا ذلك في حقه فلما كان جزاء الولد عن الوالد مظنة الوقوع لأنه سبحانه حض عليه في الدنيا كان جديرا بتأكيد النفي لأزالة هذا الوهم ولا كذلك العكس وقريب منه ما قاله الإمام : إن الولد من شأنه أن يكون جازيا عن والده لما عليه من الحقوق والولد يجزي لما فيه من النفقة وليس ذلك بواجب عليه فلذا قال سبحانه في الوالد : لا يجزي وفي الولد ولا مولود هو جاز عن والده ألا ترى أنه يقال لمن يحيك وليست الحياكة صنعته هو يحيك ولمن يحيك وهي صنعته هو حائك وقيل : إن التأكيد في الجملة الثانية للدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزي لأنه دون الوالد في الحنو والشفقة فلما كان أولى بهذا الحكم أستحق التأكيد

الصفحة 107