كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
وقرأ سمال بن حرب وأبو حيوة الغرور بضم الغين وهو مصدر والكلام من باب جد جده ويمكن تفسيره بالشيطان بجعله نفس الغرور مبالغة إن الله عنده علم الساعة إلخ أخرج إبن المنذر عن عكرمة أن رجلا يقال له الوارث بن عمرو جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : يامحمد متى قيام الساعة وقد أجدبت بلادنا فمتى تخصب وقد تركت أمرأتي حبلى فما تلد وقد علمت ما كسبت اليوم فماذا أكسب غدا وقد علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت فنزلت هذه الآية وذكر نحوه محيي السنة البغوي والواحدي والثعلبي فهو نظرا إلى سبب النزول جواب لسؤال محقق ونظرا إلى ما قبلها من الآي جواب لسؤال مقدر كأن قائلا يقول : متى هذا اليوم الذي ذكر من شأنه ما ذكر فقيل إن الله ولم يقل أن علم الساعة عند الله مع أنه أخصر لأن أسم الله سبحانه أحق بالتقديم ولأن تقديمه وبناء الخبر عليه يفيد الحصر كما قرره الطيبي مع ما فيه من مزية تكرر الإسناد وتقديم الظرف يفيد الإختصاص أيضا بل لفظ عند كذلك تفيد حفظه بحيث لا يوصل إليه فيفيد الكلام من أوجه إختصاص علم وقت القيامة بالله عزوجل وقوله تعالى : وينزل الغيث أي في إبانه من غير تقديم ولا تأخير في بلد لا يتجاوزه به وبمقدار تقتضيه الحكمة الظاهر أنه عطف على الجملة الظرفية المبنية على الأسم الجليل على عكس قوله تعالى : ونسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع فيكون خبرا مبنيا على الأسم الجليل مثل المعطوف عليه فيفيد الكلام الإختصاص أيضا والمقصود تقييدات التنزيل الراجعة إلى العلم لا محض القدرة على التنزيل إذ لا شبهة فيه فيرجع الإختصاص إلى العلم بزمانه ومكانه ومقداره كما يشير إلى ذلك كلام الكشسف وقال العلامة الطيبي في شرح الكشاف : دلالة هذه الجملة على علم الغيب من حيث دلالة المقدور المحكم المتقن على العلم الشامل وقوله تعالى ويعلم ما في الأرحام أي أذكر أم أنثى أتام أم ناقص وكذلك ما سوى ذلك من الأحوال عطف على الجملة الظرفية أيضا نظير ما قبله وخولف بين عنده علم الساعة وبين هذا ليدل في الأول على مزيد الإختصاص إعتناء بأمر الساعة ودلالة عل ىشدة خفائها وفي هذا على إستمرار تجدد التعلقات بحسب تجدد المتعلقات مع الإختصاص ولم يراع هذا الأسلوب فيما قبله بأن يقال : ويعلم الغيث مثلا إشارة بإسناد التنزيل إلى الأسم الجليل صريحا إلى عظم شأنه لما فيه من كثرة المنافع لأجناس الخلائق وشيوع الإستدلال بما يترتب عليه من أحياء الأرض على صحة البعث المشار إليه بالساعة في الكتاب العظيم قال تعالى : وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فأنظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وقال سبحانه : ويحيى الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون إلى غير ذلك وربما يقال : إن لتنزيل الغيث وإن لم يكن الغيث المعهود دخلا في المبعث بناء على ما ورد من حديث مطر السماء بعد النفخة الأولى مطرا كمني الرجال وقيل : الإختصاص راجع إلى التنزيل وما ترجع إليه تقييداته التي يقتضيها المقام من العلم وفي ذلك رد على القائلين مطرنا بنوء كذا وللإعتناء برد ذلك لما فيه من الشرك في الربوبية عدل عن يعلم إلى ينزل وهو كما ترى وقوله تعالى : وما تدري نفس أي كل نفس برة كانت أو فاجرة كما يدل عليه وقوع النكرة في سياق النفي ماذا تكسب غدا أي في الزمان المستقبل من خير أو شر وقوله