كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
الملائكة عليهم السلام أعلم منه صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك ويؤيد ظني ما رواه الحميدي في نوادره بالسند عن الشعبي قال : سأل عيسى بن مريم جبريل عليهما السلام عن الساعة فأنتفض بأجنحته وقال : ما المسؤول بأعلم من السائل والمراد التساوي في العلم بأن الله تعالى أستأثر بعلمها على الوجه ألأكمل ويرشد إلى العلم الإجمالي بها ذكر أشراطها كما لا يخفى ويجوز أن يكون الله تعالى قد أطلع حبيبه عليه الصلاة و السلام على وقت قيامها على وجه كامل لكن لا على وجه يحاكي علمه تعالى به إلا أنه سبحانه أوجب عليه صلى الله تعالى عليه وسلم كتمه لحكمة ويكون ذلك من خواصه عليه الصلاة و السلام وليس عندي ما يفيد الجزم بذلك هذا وخص سبحانه المكان في قوله تعالى : وما تدري نفس بأي أرض تموت ليعرف الزمان من باب أولى فإن الأول في وسع النفس في الجملة بخلاف الثاني وأخرج أحمد وجماعة عن أبي غرة الهذلي قال : قال رسول الله : إذا أراد الله تعالى قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها ثم قرأ عليه الصلاة و السلام وما تدري نفس بأي أرض تموت وأخرج إبن أبي شيبة في المصنف عن خيثمة أن ملك الموت مر على سليمان عليه السلام فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم ألنطر إليه فقال الرجل : من هذا قال : ملك الموت فقال : كأنه يريدني فمر الريح أن تحملني وتلقيني بالهند ففعل فقال الملك : كان دوام نظري إليه تعجبا منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك
و تدري في الموضعين معلقة فالجملة من قوله تعالى : ماذا تكسب في موضع المفعول ويجوز أن تكون ماذا كلها موصولا منصوب المحل بتدري كأنه قيل : وما تدري نفس الشيء الذي تكسبه غدا و بأي متعلق بتموت والباء ظرفية والجملة في موضع نصب بتدري
وقرأ غير واحد من السبعة ينزل من الإنزال وقرأموسى الأسواري وإبن أبي عبلة بأية أرض بتاء التأنيث لإضافتها إلى المونث وهي لغة قليلة فيها كما أن كلا إذا أضيفت إلى مؤنث قد تؤنث نادرا فيقال : كلتهن فعلن ذلك فليعلم والله عزوجل أعلم إن الله عليم مبالغ في العلم فلا يعزب عن علمه سبحانه شيء من الأشياء خبير 43 يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها فالجمع بين الوصفين للإشارة إلى التسوية بين علم الظاهر والباطن عنده عزوجل والجملة على ما قيل في موضع التعليل لعلمه سبحانه بما ذكر وقيل : جواب سؤال نشأ من نفي دراية الأنفس ماذا تكسب غدا وبأي أرض تموت كأنه قيل : فمن يعلم ذلك فقيل : إن الله عليم خبير وهو جواب بأن الله تعالى يعلم ذلك وزيادة ولا يخفى أنه إذا كانت هذه الجملة من تتمة الجملتين اللتين قبلها كانت دلالة الكلام على إنحصار العلم بالأمرين اللذين نفي العلم بهما عن كل نفس ظاهرة جدا فتأمل ذاك والله عزوجل يتولى هداك
ومن باب الإشارة في السورة الكريمة ألم إشارة إلى آلائه تعالى ولطفه جل شأنه ومجده عزوجل الذين يقيمون الصلاة بحضور القلب والإعراض عن السوي وهي صلاة خواص الخواص وأما صلاة الخواص فبنفي الخطرات الردية والإرادات الدنيوية ولا يضر فيها طلب الجنة ونحوه وأما صلاة العوام فما يفعله أكثر الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويؤتون الزكاة ببذل الوجود للملك المعبود لنيل المقصود وهي زكاة الأخص وزكاة الخاصة ببذل المال كله لصفية قلوبهم عن صدإ محبة الدنيا وزكاة العامة ببذل القدر المعروف من المال المعلوم على الوجه المشروع المشهور لتزكية نفوسهم عن نجاسة البخل ومن