كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

أنه لم يبعث إليهم رسول منهم قبل رسول الله وكانوا ملزمين بشرائع الرسل من قبل وإن كانوا مقصرين ف يالبحث عنها لا سيما دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إن قلنا إن دعوتي موسى وعيسى عليهما السلام لم تعما وهو الأظهر وقد تقدم لك القول بإنقطاع حكم نبوة كل نبي ما عدا نبينا بعد موته فلا يكلف أحد مطلقا يجيء بعده بإتباعه والقول بالإنقطاع إلا بالنسبة لمن كان من ذريته والظاهر أن قريشا كانوا ملزمين بملة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وأنهم لم يزالوا على ذلك إلى أن فشت في العرب عبادة الأصنام التي أحدثها فيهم عمرو الخزاعي لعنه الله تعالى فلم يبق منهم على الملة الحنيفية إلا قليل بل أقل من القليل فهم داخلون في عموم قوله تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير فإنه عام للرسول وللعالم الذي ينذر كذا قيل وأستشكل مع ما هنا وأجيب بأن المراد هنا ما أتاهم نذير منهم من قبلك وإليه يشير كلام الكشف وهناك إلا خلا فيها نذير منها أو من غيرها أو يحمل النذير فيه على الرسول وفي تلك الآية على الأعم قال أبو حيان : في تفسير سورة الملائكة إن الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة إما بمباشرة من أنبيائهم وأما بنقل إلى وقت بعثة محمد والآيات التي تدل على أن قريشا ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم وآباءهم الأقربين وإما أن النذارة أنقطعت فلا نعم لما شرعت آثارها تندرس بعث محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وما ذكره أهل علم الكلام من حال أهل الفترات فإن ذلك على حسب الفرض لا أنه واقع فلا توجد أمة على وجه الأرض إلا وقد علمت وفي القلب منه شيء ومقتضاه أن المنفى ههنا إتيان نذير مباشر أي نبي من الأنبياء عليهم السلام قريشا الذين كانوا في عصره عليه الصلاة و السلام قبله وأنه كان فيهم من ينذرهم ويدعوهم إلى عبادة الله تعالى وحده بالنقل أي عن نبي كان يدعو إلى ذلك والأول مما لا ينبغي أن يختلف فيه إثنان بل لا ينبغي أن يتوقف فيه إنسان والثاني مظنون التحقق في زيد بن عمرو بن نفيل العدوي والد سعيد أحد العشرة فإنه عاصر النبي وأجتمع وآمن به قبل بعثته عليه الصلاة و السلام ولم يدركها إذ قد مات وقريش تبني الكعبة وكان ذلك قبل البعثة بخمس سنين وكان على ملة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فقد صح عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة يقول : يامعشر قريش والذي نفسي بيده ما أصبح أحد منكم على دين إبراهيم غيري وفي بعض طرق الخبر عنه أيضا بزيادة وكان يقول : اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم ثم يسجد على راحلته وذكر موسى بن عقبة في المغازي سمعت من أرضي يحدث أن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبحهم لغير الله تعالى وصح أنه لم يأكل من ذبائح المشركين التي أهل بها لغير الله وأخرج الطيالسي في مسنده عن إبنه سعيد أنه قال : قلت للنبي : إن أبي كان كما رأيت وكما بلغك أفأستغفر له : قال نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده ولا يبعد ممن كان هذا شأنه الإنذار والدعوة إلى عبادة الله تعالى بل من أنصف يرى تضمن كلامه الذي حكته أسماء وأنكاره على قريش الذبح لغير الله تعالى الذي ذكره الطيالسي الدعوة إلى دين إبراهيم عليه السلام وعبادة الله سبحانه وحده وكذا تضمن كلامه النقل أيضا ويعلم مما نقلناه أن الرجل رضي الله تعالى عنه لم يكن نبيا وهو ظاهر وزعم بعضهم أنه كان نبيا وأستدل على ذلك بأنه كان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول : هلموا إلى فإنه لم يبق على دين الخليل غيري وصحة ذلك ممنوعة وعلى فرض التسليم لا دليل فيه على المقصود كما لا يخفى على من له أدنى ذوق ومثل زيد رضي الله تعالى عنه قس بن ساعدة ابادي فإنه رضي الله تعالى عنه كان مؤمنا بالله عزوجل داعيا إلى عبادته سبحانه وحده

الصفحة 118