كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
وعاصر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومات قبل البعثة على الملة الحنيفية وكان من المعمرين ذكر السجستاني أنه عاش ثلاثمائة وثمانين سنة وقال المرزباني : ذكر كثير من أهل العلم أنه عاش ستمائة سنة وذكروا في شأنه أخبارا كثيرة لكن قال الحافظ إبن حجر في كتابه الإصابة قد أفرد بعض الرواة طريق قس وفيه شعره وخطبته هو في الطوالات للطبراني وغيرها وطرقه كلها ضعيفة وعد منها ما عد فليراجع ثم إن الإشكال إنما يتوهم لو أريد بقريش جميع أولاد قصي أو فهر أو النضر أو اليأس أو مضرا ما إذا أريد من كان منهم حين بعث فلا كما لا يخفى على المتأمل فتأمل وقيل : المراد بهم العرب قريش وغيرهم ولم يأت المعاصرين منهم رسول الله نذير من الأنبياء عليهم السلام غيره وكان فيهم من ينذر ويدعو إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وحده وليس بنبي على ما سمعت آنفا وأما العرب غير المعاصرين فلم يأتهم من عهد إسماعيل عليه السلام نبي منهم بل لم يرسل إليهم نبي مطلقا وموسى وعيسى وغيرهما من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام لم يبعثوا إليهم على الأظهر وخالد بن سنان العبسي عند الأكثرين ليس بنبي وخبر ورود بنت له عجوز على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لها : مرحبا بإبنة نبي ضيعه قومه ونحوه من الأخبار مما للحفاظ فيه مقال لا يصلح معه للإستدلال وفي شروح الشفاء والإصابة للحافظ إبن حجر بعض الكلام في ذلك وقيل : المراد بهم أهل الفترة من العرب وغيرهم حتى أهل الكتاب والمعنى ما أتاهم نذير من قبلك بعد الضلال الذي حدث فيهم
هذا وكأني بك تحمل النذير هنا على الرسول الذي ينذر عن الله عزوجل وكذا في قوله تعالى : وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ليوافق قوله تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن أعبدوا الله وأظن أنك تجعل التنوين في أمة للتعظيم أي وأن من أمة جليلة معتني بأمرها الإخلاء فيها نذير ولقد بعثنا في كل أمة جليلة معتني بأمرها رسولا أو تعتبر العرب أمة وبني إسرائيل أمة ونحو ذلك أمة دون أهل عصر واحد وتحمل من لم يأتهم نذير على جماعة من أمة لم يأتهم بخصوصهم نذير ومما يستأنس به في ذلك أنه حين ينفي إتيان النذير ينفي عن قوم ونحوه لا عن أمة فليتأمل وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام وجوز كون ما موصولة وقعت مفعولا ثانيا لتنذر و من نذير عليه متعلق بأتاهم أي لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك أي على لسان نذير من قبلك وأختاره أبو حيان وعليه لا مجال لتوهم الإشكال لكن لا يخفى أنه خلاف المتبادر الذي عليه أكثر المفسرين والإقتصار على الإنذار في بيان الحكمة لأنه الذي يقتضيه قولهم : إفتراه دون التبشير لعلهم يهتدون 3 أي لأجل أن يهتدوا بإنذارك إياهم أو راجيا لإهتدائهم وجعل الترجي مستعارا للإرادة منسوبا إليه عزوجل نزغة إعتزالية : الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم أستوى على العرش مر بيانه فيما سلف على مذهبي السلف والخلف ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أي ما لكم مجاوزين الله عزوجل أي رضاه سبحانه وطاعته تعالى ولي ولا شفيع أي لا ينفعكم هذان من الخلق عنده سبحانه دون رضاه جل جلاله فمن دونه حال من مجرور لكم والعامل الجار أو متعلقه وعلى هذا المعنى لا دليل في الخطاب على أنه تعالى شفيع دون غيره ليقال : كيف ذاك وتعالى جل شأنه أن يكون شفيعا وكفى في ذلك رده على الأعرابي حيث قال : أنا نستشفع بالله تعالى إليك وقد يقال : الممتنع إطلاق الشفيع عليه تعالى بمعناه الحقيقي