كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

وأما إطلاقه عليه سبحانه بمعنى الناصر مجازا فليس بممتنع ويجوز أن يعتبر ذلك هنا وحينئذ يجوز أن يكون من دونه حالا مما بعد قدم عليه لأنه نكرة ودون بمعنى غير والمعنى مالكم ولي ولا ناصر غير الله تعالى ويجوز أن يكون حالا من المجرور كما في الوجه السابق والمعنى مالكم إذا جاوزتم ولايته ونصرته جل وعلا ولي ولا ناصر ويظهر لي أن التعبير بالشفيع هنا من قبيل المشاكلة التقديرية لما أن المشركين المنذرين كثيرا ما كانوا يقولون في آلهتهم هؤلاء شفعاؤنا ويزعمون أن كل واحد منها شفيع لهم أفلا تتذكرون 4 أي ألا تسمعون هذه المواعظ فلا تتذكرون بها أو أتسمعونها فلا تتذكرون بها فالإنكار على الأول متوجه إلى عدم السماع وعدم التذكر معا وعلى الثاني إلى عدم التذكر مع تحقق ما يوجبه من السماع
يدبر الأمر قيل : أي أمر الدنيا وشئونها وأصل التدبير النظر في دابر الأمر والتفكر فيه ليجيء محمود العاقبة وهو في حقه عزوجل مجاز عن إرادة الشيء على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة والفعل مضمن معنى الإنزال والجار أن في قوله تعالى : من السماء إلى الأرض متعلقان به ومن إبتدائية وإلى إنتهائية أي يريده تعالى على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة منزلا له من السماء إلى الأرض وإنزاله من السماء بإعتبار أسبابه فإن أسبابه سماوية من الملائكة عليهم السلام وغيرهم ثم يعرج أي يصعد ويرتفع ذلك الأمر يعد تدبيره إليه عزوجل وهذا العروج مجاز عن ثبوته في علمه تعالى أي تعلق علمه سبحانه به تعلقا تنجيزيا بأن يعلمه جل وعلا موجودا بالفعل أو عن كتابته في صحف الملائكة عليهم السلام القائمين بأمره عزوجل موجودا كذلك في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون 5 أي في برهة متطاولة من الزمان فليس المراد حقيقة العدد وعبر عن المدة المتطاولة بالألف لأنها منتهى المراتب وأقصى الغايات وليس مرتبة فوقها إلا ما يتفرع منها من أعداد مراتبها والفعلان متنازعان في الجار والمجرور وقد أعمل الثاني منهما فيه فتفيد الآية طول إمتداد الزمان بين تعلق إرادته سبحانه بوجود الحوادث في أوقاتها متقنة مراعي فيها الحكمة وبين وجودها كذلك وظاهرها يقتضي أن وجودها لا يتوقف على تعلق الإرادة مرة أخرى بل يكفي فيه التعلق السابق وقيل : في يوم متعلق بيعرج وليس الفعلان متنازعين فيه والمراد بعروج الأمر إليه بعد تدبيره سبحانه إياه وصول خبر وجوده بالفعل كما دبر جل وعلا بواسطة الملك وعرضه ذلك في نضرة قد أعدها سبحانه للإختبار بما هو جل جلاله أعلم به إظهارا لكمال عظمته تبارك وتعالى وعظيم سلطنته جلت سلطنته وهذا كعرض الملائكة عليهم السلام أعمال العباد الوارد في الأخبار وألف سنة على حقيقتها وهي مسافة ما بين الأرض ومحدب السماء الدنيا بالسير المعهود للبشر فإن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام وثخن السماء كذلك كما جاء في الأخبار الصحيحة والملك يقطع ذلك في زمان يسير فالكلام على التشبيه فكأنه قيل : يريد تعالى الأمر متقنا مراعي فيه الحكمة بأسباب سماوية نازلة آثارها وأحكامها إلى الأرض فيكون كما أراد سبحانه فيعرج ذلك الأمر مع الملك ويرتفع خبره إلى حضرته سبحانه في زمان هو كألف سنة مما تعدون وقيل : العروج إليه تعالى صعود خبر الأمر مع الملك إليه عزوجل كما هو مروى عن إبن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة والضحاك والفعلان متنازعان في يوم والمراد أنه زمان تدبير الأمر لو دبره البشر وزمان العروج لو كان منهم أيضا

الصفحة 120