كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

وقرأ يحيى بن يعمر وإبن محيصن وأبو رجاء وطلحة وإبن وثاب ضللنا بكسر اللام ويقال : ضل يضل كضرب يضرب وضل يضل كعلم يعلم وهما بمعنى والأول اللغة المشهورة الفصيحة وهي لغة نجد والثاني لغة أهل العالية
وقرأ أبو حيوة ضللنا بضم الضاد المعجمة وكسر اللام ورويت عن علي كرم الله تعالى وجهه
وقرأ الحسن والأعمش وأبان بن سعيد بن العاصي صللنا بالصاد المهلمة وفتح اللام ونسبت إلى علي كرم الله تعالى وجهه وإبن عباس رضي الله تعالى عنهما وعن الحسن أنه كسر اللام ويقال فيه نحو ما يقال في ضل بالضاد المعجمة وزيادة أصل بالهمزة كأفعل قال الفراء : والمعنى صرنا بين الصلة وهي الأرض اليابسة الصلبة كأنها من الصليل لأن اليابس الصلب إذا أنشق يكون له صليل وقيل : أنتنا من الصلة وهو النتن وقيل للأرض الصلة لأنها أست الدنيا وتقول العرب ضع الصلة على الصلة وقال النحاس لا نعرف في اللغة صللنا ولكن يقال أصل اللحم وصل وأخم وخم إذا نتن وهذا غريب منه وقرأ إبن عامر إذا بترك الإستفهام والمراد الأخبار على سبيل الإستهزاء والتهكم والعامل في إذا ما دل عليه قوله تعالى : ءأنا لفي خلق جديد وهو نبعث أو يجدد خلقنا ولا يصح أن يكون هو العامل لمكان الإستفهام وإن وكل منهما لا يعمل ما بعده فيما قبله ويعتبر ما ذكر من نبعث أو يجدد خلقنا جوابا لاذا إذا أعتبرت شرطية لا ظرفية محضة والهمزة للإنكار والمراد تأكيد الإنكار لا إنكار التأكيد كما هو المتبادر من تقديمها على أداته فإنها مؤخرة عنها في الإعتبار وتقديمها عليها لقوة إقتضائها الصدارة
وقرأ نافع والكسائي ويعقوب أنا بترك الإستفهام على نحو ما ذكر آنفا بل هم بلقاء ربهم كافرون 01 إضراب وإنتقال عن بيان كفرهم بالبعث إلى بيان ما هو أبلغ وأشنع منه وهو كفرهم بلقاء ملائكة ربهم عند الموت وما يكون بعده جميعا وقيل : هو إضراب وترق من التردد في البعث وإستبعاده إلى الجزم بجحده بناء على أن لقاء الرب كناية عن البعث ولا يضر فيه على ما قال الخفاجي كون الإستفهام السابق إنكاريا وهو يؤل إلى الجحد فتأمل قل ردا عليهم يتوفاكم ملك الموت يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئا من أجزائها أولا يترك شيئا من جزئياتها ولا يبقى أحدا منكم وأصل التوفي أخذ الشيء بتمامه وفسر بالإستيفاء لأن التفعل والإستفعال يلتقيان كثيرا كتقضيته وأستقضيته وتعجلته وأستعجلته ونسبة التوفي إلى ملك الموت بإعتبار أنه عليه الصلاة و السلام يباشر قبض الأنفس بأمره عزوجل كما يشير إليه قوله سبحانه : الذي وكل بكم أي يقبض أنفسكم ومعرفة إنتهاء آجالكم
وأخرج إبن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله تعالى عنهما قال : دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على رجل من الأنصار يعوده فإذا ملك الموت عليه السلام عند رأسه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ياملك الموت أرفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال : أبشر يامحمد فإني بكل مؤمن رفيق وأعلم يامحمد إني لأقبض روح إبن آدم فيصرخ أهله فأقوم في جانب من الدار فأقول والله مالي من ذنب وإن لي لعودة وعودة الحذر الحذر وما خلق الله تعالى من أهل بيت ولا مدر ولا شعر ولا وبر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم فيه كل يوم وليلة خمس مرات حتى إني لأعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم والله يامحمد إني لا أقدر أقبض روح بعوضة حتى يكون الله تبارك وتعالى الذي يأمر بقبضه وأخرج نحوه

الصفحة 125