كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

الطبراني وأبو نعيم وإبن منده ونسبته إليه عزوجل في قوله سبحانه : الله يتوفى الأنفس بإعتبار أن أفعال العباد كلها مخلوقة له جل وعلا لا مدخل للعباد فيها بسوي الكسب كما يقوله الإشاعرة أو بإعتبار أن ذلك بإذنه تعالى ومشيئته جل شأنه ونسبته إلى الرسل في قوله تعالى : توفته رسلنا وإلى الملائكة في قوله سبحانه إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم لما أن ملك الموت لا يستقل به بل له أعوان كما جاء في الآثار يعالجون نزع الروح حتى إذا قرب خروجها قبضها ملك الموت وقيل : المراد بملك الموت الجنس وقال بعضهم : إن بعض الناس يتوفاهم ملك الموت وبعضهم يتوفاهم الله عزوجل بنفسه أخرج إبن ماجه عن أبي أمامة قال : سمعت رسول الله يقول إن الله تعالى وكل ملك الموت عليه السلام بقبض الأرواح الأشهداء البحر فإنه سبحانه يتولى قبض أرواحهم
وجاء ذلك أيضا في خبر آخر يفيد أن ملك الموت للأنس غير ملك الموت للجن والشياطين وما لا يعقل أخرج إبن جوبير عن الضحاك عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : وكل ملك الموت عليه السلام بقبض أرواح المؤمنين فهو الذي يلي قبض أرواحهم وملك في الجن وملك في الشياطين وملك في الطير والوحش والسباع والحيتان والنمل فهم أربعة أملاك والملائكة يموتون في الصعقة الأولى وأن ملك الموت يلي قبض أرواحهم ثم يموت وأما الشهداء في البحر فإن الله تعالى يلي قبض أرواحهم لا يكل ذلك إلى ملك الموت بكرامتهم عليه سبحانه
والذي ذهب إليه الجمهور أن ملك الموت لمن يعقل وما لا يعقل من الحيوان واحد وهو عزرائيل ومعناه عبدالله فيما قيل نعم له أعوان كما ذكرنا وخبر الضحاك عن إبن عباس الله تعالى أعلم بصحته ثم إلى ربكم ترجعون 11 بالبعث للحساب والجزاء ومناسبة هذه الآية لما قبلها على ما ذكرنا في توجيه الإضراب ظاهرة لأنهم لما جحدوا لقاء ملائكة ربهم عند الموت وما يكون بعده ذكر لهم حديث توفي ملك الموت إياهم إيماء إلى أنهم سيلاقونه وحديث الرجوع إلى الله تعالى بالبعث للحساب والجزاء وأما على ما قيل فوجه المناسبة أنهم أنهم لما أنكروا البعث والمعاد رد عليهم بما ذكر لتضمن قوله تعالى : ثم إلى ربكم ترجعون البعث وزيادة ذكر توفى ملك الموت إياهم وكونه موكلا بهم لتوقف البعث على وفاتهم ولتهديدهم وتخويفهم وللإشارة إلى أن القادر على الأماتة قادر على الأحياء وقيل : إن ذلك لرد ما يشعر به كلامهم من أن الموت بمقتضى الطبيعة حيث أسندوه إلى أنفسهم في قولهم : أئذا ضللنا في الأرض فليس عندهم بفعل الله تعالى ومباشرة ملائكته ولا يخفى بعده وأبعد منه ما قيل في المناسبة : إن عزرائيل وهو عبد من عبيده تعالى إذا قدر على تخليص الروح من البدن مع سريانها فيه سريان ماء الورد في الورد والنار في الجمر فكيف لا يقدر خالق القوى جل شأنه على تمييز أجزائهم المختلطة بالتراب وكيف يستبعد البعث مع القدرة الكاملة له عزوجل لما أن ذلك السريان مما خفى على العقلاء حتى أنكره بعضهم فكيف بجهلة المشركين فتأمل وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ترجعون بالبناء للفاعل ولو ترى إذ المجرمون وهم القائلون : أئذا ضللنا في الأرض أو جنس المجرمين وهم من حملتهم ناكسوا رؤوسهم مطرقوها من الحياء والخزي عند ربهم حين حسابهم لما يظهر من قبائحهم التي أقترفوها في الدنيا وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما نكسوا رؤوسهم فعلا ماضيا ومفعولا ربنا بتقدير القول الواقع حالا والعامل فيه ناكسوا أي يقولون ربنا إلخ وهو أولى من تقدير يستغيثون بقولهم : ربنا

الصفحة 126