كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
الراغب أن أصل الجنب الجارحة ثم يستعار في الناحية التي تليها كعادتهم في إستعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال و المضاجع جمع المضجع أماكن الإتكاء للنوم أي تنتحي وترتفع جنوبهم عن مواضع النوم وهذا كناية عن تركهم النوم ومثله قول عبدالله بن رواحة يصف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم :
نبي تجافى جنبه عن فراشه إذا أستثقلت بالمشركين المضاجع والمشهور أن المراد بذلك التجافي القيام لصلاة النوافل بالليل وهو قول الحسن ومجاهد ومالك والأوزاعي وغيرهم وفي الأخبار الصحيحة ما يشهد له أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وإبن ماجه ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وإبن جرير وإبن أبي حاتم والحاكم وصححه وإبن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ بن جبل قال : كنت مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت : يانبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال : لقد سألت عن عظيم وأنه يسير على من يسره الله تعالى عليه تعبدالله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفيء الخطيئة وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون الحديث
وقال أبو الدرداء وقتادة والضحاك هو أن يصلي الرجل العشاء والصبح في جماعة وعن الحسن وعطاء هو أن لا ينام الرجل حتى يصلي العشاء أخرج الترمذي وصححه وإبن جرير وغيرهما عن أنس قال : إن هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع نزلت في إنتظار الصلاة التي تدعى العتمة وفي رواية أخرى عنه أنه قال فيها نزلت فينا معاشر الأنصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رجالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل : هو أن يصلي الرجل المغرب ويصلي بعدها إلى العشاء فقد أخرج عبدالله إبن أحمد في زوائد الزهد وإبن عدي وإبن مردويه عن مالك بن دينار قال : سألت أنس بن مالك عن هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال : كان قوم من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من المهاجرين الأولين يصلون المغرب ويصلون بعدها إلى عشاء الآخرة فنزلت هذه الآية فيهم وقال قتادة وعكرمة : هو أن يصلي الرجل ما بين المغرب والعشاء وأستدل له بما أخرجه محمد بن نصر عن عبدالله بن عيسى قال : كان ناس من الأنصار يصلون ما بين المغرب والعشاء فنزلت فيهم تتجافى جنوبهم عن المضاجع
وأخرج إبن جرير عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية : تتجافى جنوبهم لذكر الله تعالى كلما أستيقظوا ذكروا الله عزوجل إما في الصلاة وإما في قيام أو قعود أو على جنوبهم لا يزالون يذكرون الله تعالى وروى نحوه هو ومحمد بن نصر عن الضحاك والجمهور عولوا على ما هو المشهور وفي فضل التهجد ما لا يحصى من الأخبار وأفضله على ما نص عليه غير واحد ما كان في الأسحار
يدعون ربهم حال من ضمير جنوبهم وقد أضيف إليه ما هو جزء وجوز على إحتمال كون جملة تتجافى إلخ حالية أن تكون حالا ثانية مما جعلت تلك حالا منه وعلى إحتمال كونها خبرا ثانيا للمبتدأ أن تكون خبرا ثالثا وجوز كونها مستأنفة والظاهر أن المراد بدعائهم ربهم سبحانه المعنى المتبادر وقيل : المراد به الصلاة خوفا أي خائفين من سخطه تعالى وعذابه عزوجل وعدم قبول عبادتهم وطمعا