كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
في رحمته تبارك وتعالى فالمصدران حالان من ضمير يدعون وجوز أن يكونا مصدرين لمقدر أي يخافون خوفا ويطمعون طمعا وتكون الجملة حينئذ حالا وأن يكونا مفعولا له ولا يخفى أن الآية على الحالية أمدح
ومما رزقناهم إياه من المال ينفقون 61 في وجوه الخير فلا تعلم نفس أي كل نفس من النفوس لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عمن عداهم فإن النكرة في سياق النفي تعم والفاء سببية أو فصيحة أي أعطوا فوق رجاءهم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم أي لأولئك الذين عددت نعوتهم الجليلة من قرة أعين أي مما تقر به أعين وفي إضافة القرة إلى الأعين على الإطلاق لا إلى أعينهم تنبيه على أن ما أخفي لهم في غاية الحسن والكمال
وروى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتكم عليه أقرؤا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين وأخرج الفريابي وإبن أبي شيبة وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن إبن مسعود قال : إنه لمكتوب في التوراة لقد أعد الله تعالى للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ولا يعلم ملك مقرب ولا نبي مرسل وأنه لفي القرآن فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون 71 أي جوزوا جزاء بسبب ما كانوا يعملونه من الأعمال الصالحة فجزاء مفعول مطلق لفعل مقدر والجملة مستأنفة
وجوز جعلها حالية وقيل : يجوز جعله مصدرا مؤكدا لمضمون الجملة المتقدمة وقيل : يجوز أن يكون مفعولا له لقوله تعالى : لا تعلم نفس على معنى منعت العلم للجزاء أو لأخفي فإن إخفاءه لعلو شأنه وعن الحسن أنه قال : أخفى القوم أعمالا في الدنيا فأخفى الله تعالى لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت أي أخفى ذلك ليكون الجزاء من جنس العمل
وفي الكشف أن هذا يدل على أن الفاء في قوله تعالى : فلا تعلم رابطة للاحق بالسابق وأصله فلا يعلمون والعدول لتعظيم الجزاء وعدم ذكر الفاعل في أخفى ترشيح له لأن جازيه من هو العظيم وحده فلا يذهب وهل إلى غيره سبحانه فتأمل
وقرأ حمزة ويعقوب والأعمش أخفى بسكون الياء فعلا مضارعا للمتكلم وإبن مسعود نخفي بنون العظمة والأعمش أيضا أخفيت بالإسناد إلى ضمير المتكلم وحده ومحمد بن كعب أخفى فعلا ماضيا مبنيا للفاعل و ما في جميع ذلك أسم موصول مفعول تعلم والعلم بمعنى المعرفة والعائد الضمير المستتر النائب عن الفاعل على قراءة الجمهور وضميره محذوف على غيرها وقال أبو البقاء : يجوز أن تكون ما أستفهامية وموضعها رفع بالإبتداء و أخفى لهم خبره على قراءة من فتح الياء وعلى قراءة من سكنها وجعل أخفى مصارعا يكون ما في موضع نصب بأخفى ويعلم منه حالها على سائر القراءات وإذا كانت إستفهامية يجوز أن يكون العلم بمعنى المعرفة وأن يكون على ظاهره فيتعدى لمفعولين تسد الجملة الإستفهامية مسدهما وعلى كل من إحتمال الموصولية والإستفهامية فالإبهام للتعظيم وقرأ عبدالله وأبو الدرداء وأبو هريرة وعون والعقيلي من قرأت على الجمع بالألف والتاء وهي رواية عن أبي عمرو وأبي جعفر والأعمش وجمع المصدر أو أسمه لإختلاف أنواع القرة والجار والمجرور في موضع الحال