كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

كلما أرادوا أن يخرجوا منها فخرجوا من معظمها أعيدوا فيها ويشير إلى أن الخروج من معظمها قوله تعالى : فيها دون إليها وجوز أن يكون الكلام هنا عبارة عن خلودهم فيها وأياما كان لا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى : وما هم بخارجين من النار وقيل لهم تشديدا عليهم وزيادة في غيظهم
ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به أي بعذاب النار تكذبون 02 على الإستمرار في الدنيا وأظهرت النار مع تقدمها قبل لزيادة التهديد والتخويف وتعظيم الأمر وذكر إبن الحاجب في أماليه وجها آخر للإظهار وهو أن الجملة الواقعة بعد القول حكاية لما يقال لهم يوم القيامة عند إرادتهم الخروج من النار فلا يناسب ذلك وضع الضمير إذ ليس القول حينئذ مقدما عليه ذكر النار وإنما ذكرها سبحانه قبل أخبارا عن أحوالهم ونظر فيه اليطبي عليه الرحمة بأن هذا القول داخل أيضا في حيز الأخبار لعطفه على أعيدوا الواقع جوابا لكلما فكما جاز الإضمار في المعطوف عليه جاز فيه أيضا إن لم يقصد زيادة التهديد والتخويف
ورد بأن المانع أنه حكاية لما يقال لهم يوم القيامة والأصل في الحكاية أن تكون على وفق المحكي عنه دون تغيير ولا إضمار في المحكي لعدم تقدم ذكر النار فيه وتعقب بأنه قد يناقش فيه بأن مراده أنه يجوز رعاية المحكي والحكاية وكما أن الأصل رعاية المحكي الأصل الإضمار إذا تقدم الذكر فلا بد من مرجح
وقال بعض المحققين : أراد إبن الحاجب أن الإظهار هو المناسب في هذه الجملة نظرا إلى ذاتها ونظرا إلى سياقها أما الأول فلأنها تقال من غير تقدم ذكر النار وأما الثاني فلأن سياق الآية للتهديد والتخويف وتعظيم الأمر وفي الإظهار من ذلك ما ليس في الإضمار وهذا بعيد من أن يرد عليه نظر الطيبي والإنصاف أن كلا من الإضمار والإظهار جائز وأنه رجح الإظهار إقتضاء السياق لذلك ونقل عن الراغب ما يدل على أن المقام في هذه الآية مقام الضمير حيث ذكر عنه أنه قال في درة التنزيل : إنه تعالى قال ههنا ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون وقال سبحانه في آية أخرى : عذاب النار التي كنتم بها تكذبون فذكر جل وعلا ههنا وأنت سبحانه هناك والسر في ذلك أن النار ههنا وقعت موقع الضمير والضمير لا يوصف فأجرى الوصف على العذاب المضاف إليها وهو مذكر وفي تلك الآية لم يجر ذكر النار في سياقها فلم تقع النار موقع الضمير فأجرى الوصف عليها وهي مؤنثة دون العذاب فتأمل ولنذيقنهم من العذاب الأدنى أي الأقرب وقيل : الأقل وهو عذاب الدنيا فإنه أقرب من عذاب الآخرة وأقل منه وأختلف في المراد به فروى النسائي وجماعة وصححه الحاكم عن إبن مسعود أنه سنون أصابتهم وروى ذلك عن النخعي ومقاتل وروى الطبراني وآخرون وصححه والحاكم عن إبن مسعود أيضا أنه ما أصابهم يوم بدر وروى نحوه عن الحسن بن علي رض يالله تعالى عنهما بلفظ هو القتل بالسيف نحو يوم بدر وعن مجاهد القتل والجوع
وأخرج مسلم وعبدالله بن أحمد في زوائد المسند وأبو عوانة في صحيحه وغيرهم عن أبي بن كعب أنه قال : هو مصائب الدنيا والروم والبطشة والدخان وفي لفظ مسلم أو الدخان
وأخرج إبن المنذر وإبن جرير عن إبن عباس أنه قال : هو مصائب الدنيا وأسقامها وبلاياها وفي رواية عنه وعن الضحاك وإبن زيد بلفظ مصائب الدنيا في الأنفس والأموال وفي معناه ما أخرج إبن مردويه عن أبي إدريس الخولاني قال : سألت عبادة بن الصامت عن قوله تعالى : ولنذيقنهم الآية فقال : سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عنها فقال عليه الصلاة و السلام : هي المصائب والأسقام والآصار عذاب للمسرف

الصفحة 134