كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
في الدنيا دون عذاب الآخرة قلت : يارسول الله فما هي لنا قال : زكاة وطهور وفي رواية عن إبن عباس أنه الحدود وأخرج هنا عن عن أبي عبيدة أنه فسره بعذاب القبر وحكى عن مجاهد أيضا دون العذاب الأكبر هو عذاب يوم القيامة كما روى عن إبن مسعود وغيره وقال : إبن عطية لا خلاف في أنه ذلك وفي التحرير إن أكثرهم على أن العذاب الأكبر عذاب يوم القيامة في النار وقيل : هو القتل والسبي والأسر وعن جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما أنه خروج المهدي بالسيف إنتهى وعليهما يفسر العذاب الأدنى بالسنين أو الإسقام أو نحو ذلك مما يكون أدنى مما ذكر وعن بعض أهل البيت تفسيره بالدابة والدجال والمعول عليه ما عليه الأكثر
وإنما لم يقل الأصغر في مقابلة الأكبر أو الأبعد في مقابلة الأدنى لأن المقصود هو التخويف والتهديد وذلك إنما يحصل بالقرب لا بالصغر وبالكبر لا بالبعد قاله النيسابوري ملخصا له من كلام الإمام وكذا أبو حيان إلا أنه قال : إن الأدنى يتضمن الأصغر لأنه منقض بموت المعذب والأكبر يتضمن الأبعد لأنه واقع في الآخرة فحصلت المقابلة من حيث التضمن وصرح بما هو آكد في التخويف لعلهم يرجعون 12 أي لعل من بقي منهم يتوب قاله إبن مسعود وقال الزمخشري : أو لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه كقوله تعالى : فأرجعنا نعمل صالحا وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فأغسلوا وجوهكم ويدل عليه قراءة من قرأ يرجعون على البناء للمفعول إنتهى
وهو على ما حكى عن مجاهد وروى عن أبي عبيدة فيتعلق لعلهم إلخ بقوله تعالى : ولنذيقنهم من العذاب الأدنى كما في الأول إلا أن الرجوع هنالك التوبة وههنا الرجوع إلى الدنيا ويكون من باب فألتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا أو يكون الترجي راجعا إليهم ووجه دلالة القراءة المذكورة عليه أنه لا يصح الحمل فيها على التوبة والظاهر التفسير المأثور والقراءة لا تأباه لجواز أن يكون المعنى عليها لعلهم يرجعهم ذلك العذاب عن الكفر إلى الإيمان و لعل لترجي المخاطبين كما فسرها بذلك سيبويه وعن إبن عباس تفسيرها هنا بكى وكأن المراد كي نعرضهم بذلك للتوبة وجعلها الزمخشري لترجيه سبحانه ولإستحالة حقيقة ذلك منه عزوجل حمله على إرادته تعالى وأورد على ذلك سؤالا أجاب عنه على مذهبه في الإعتزال فلا تلتفت إليه هذا والآيات من قوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا إلى هنا نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه والوليد بن عقبة بن ابي معيط أخي عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس أخرج أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني والواحدي وإبن عدي وإبن مردويه والخطيب وإبن عساكر من طرق عن إبن عباس قال : قال الوليد بن عقبة لعلي كرم الله تعالى وجهه أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ للكتيبة منك فقال علي رضي الله تعالى عنه : أسكت فإنما أنت فاسق فنزلت أفمن كان مؤمنا إلخ
وأخرج إبن أبي حاتم عن السدي نحو ذلك وأخرج هذا أيضا عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه والوليد بن عقبة ولم يذكر ما جرى وفي رواية أخرى عنه إنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه ورجل من قريش ولم يسمه وفي الكشاف روى في نزولها أنه شجر بين علي رضي