كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

الله تعالى عنه والوليد بن عقبة يوم بدر كلام فقال له الوليد : أسكت فإنك صبي أنا أشب منك شبابا وأجلد منك جلدا وأدرب منك لسانا وأحد منك سنانا وأشجع منك جنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة فقال له علي كرم الله تعالى وجهه : أسكت فإنك فاسق فنزلت ولم نره بهذا اللفظ مسندا وقال الخفاجي : قال إبن حجر إنه غلط فاحش فإن الوليد لم يكن يوم بدر رجلا بل كان طفلا لا يتصور منه حضور بدر وصدور ما ذكر
ونقل الجلال السيوطي عن الشيخ ولي الدين هو غير مستقيم فإن الوليد يصغر عن ذلك وأقول : بعض الأخبار تقتضي أنه لم يكن مولودا يوم بدر أو كان صغيرا جدا أخرج أبو داؤد في السنن من طريق ثابت بن الحجاج عن أبي موسى عبدالله الهمداني عنه أنه قال : لما أفتتح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤسهم فأتى بي إليه عليه الصلاة و السلام وأنا مخلق فلم يمسني من أجل الخلوق إلا أن إبن عبدالبر قال : إن أبا موسى مجهول وأيضا ذكر الزبير وغيره من أهل العلم بالسير أن أم كلثوم بنت عقبة لما خرجت مهاجرة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الهدنة سنة سبع خرج أخواها الوليد وعمارة ليرداها وهو ظاهر في أنه لم يكن صبيا يوم الفتح إذ من يكون كذلك كيف يكون ممن خرج ليرد أخته قبل الفتح وبعض الأخبار تقتضي أنه كان رجلا يوم بدر فقد ذكر الحافظ إبن حجر في كتابه الإصابة إنه قدم في فداء إبن عم أبيه الحرث بن أبي وجرة بن أبي عمرو بن أمية وكان أسر يوم بدر فأفتداه بأربعة الآف وقال : حكاه أهل المغازي ولم يتعقبه بشيء وسوق كلامه ظاهر في إرتضائه ووجه إقتضائه ذلك أن ما تعاطاه من أفعال الرجال دون الصبيان وهذا الذي ذكرناه عن إبن حجر يخالف ما ذكره عنه الخفاجي عليه الرحمة مما مر آنفا ولا ينبغي أن يقال : يجوز أن يكون صغيرا ذلك اليوم صغرا يمكن معه عادة الحضور فحضر وجرى لأن وصفه بالفسق بمعنى الكفر والوعيد عليه بما سمعت في الآيات مع كونه دون البلوغ مما لا يكاد يذهب إليه إلا من يلتزم إن التكليف بالإيمان إذ ذاك كان مشروطا بالتمييز ولا أن يقال : يجوز أن تكون هذه القصة بعد إسلامه وقد أطلق عليه فاسق وهو مسلم في قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا فقد قال إبن عبدالبر : لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن إنها نزلت فيه حيث أنه بعثه مصدقا إلى بني المصطلق فعاد وأخبر أنهم أرتدوا ومنعوا الصدقة ولم يكن الأمر كذلك لأن الفسق ههنا بمعنى الكفر وهناك ليس كذلك ثم أعلم أن القول بأنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه والوليد لكلام جرى يوم بدر يقتضي أنها مدنية والمختار عند بعضهم خلافه
ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها بيان إجمالي لمن قابل آيات الله تعالى بالإعراض بعد بيان حال من قابلها بالسجود والتسبيح والتحميد وكلمة ثم لإستبعاد الإعراض عنها عقلا مع غاية وضوحها وإرشادها إلى سعادة الدارين كما في قول جعفر بن علية الحارثي : ولا يكشف الغماء إلا إبن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها والمراد أن ذلك أظلم من كل ظالم أنا من المجرمين قيل : أي من كل أتصف بالإجرام وكسب الأمور المذمومة وإن لم يكن بهذه المنابة منتقمون 22 فكيف ممن هو أظلم من كل ظالم وأشد جرما من كل جارم ففي الجملة إثبات الإنتقام منه بطريق برهاني

الصفحة 136