كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
وجوز أن يراد بالمجرم المعرض المذكور وقد أقيم المظهر مقام المضمر الراجع إلى من بإعتبار معناها وكان الأصل أنا منهم منتقمون ليؤذن بأن علة الإنتقام إرتكاب هذا المعرض مثل هذا الجرم العظيم : وفسر البغوي المجرمين هنا بالمشركين وقال الطيبي عليه الرحمة بعد حكايته : ولا إرتياب أن الكلام في ذم المعرضين وهذا الأسلوب أذم لآنه يقرر أن الكافر إذا وصف بالظلم والإجرام حمل على نهاية كفره وغاية تمرد ولأن هذه الآية كالخاتمة لأحوال المكذبين القائلين : أم يقولون إفتراه والتخلص إلى قصة الكليم مسلاة لقلب الحبيب عليهما الصلاة والسلام إلى آخر ما ذكره فليراجع
ولقد آتينا موسى الكتاب أي جنس الكتاب فلا تكن في مرية أي شك وقرأ الحسن مرية بضم الميم من لقائه أي لقائك ذلك الجنس على أن لقاء مصدر مضاف إلى المفعول وفاعله محذوف وهو ضمير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والضمير المذكور للكتاب المراد به الجنس وإيتاء ذلك الجنس بإعتبار إيتاء التوراة ولقاؤه بإعتبار لقاء القرآن وهذا كقوله تعالى : وإنك لتلقي القرآن من لدن حكيم عليم وقوله سبحانه : ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا وحمل بعضهم الكتاب على العهد أي الكتاب المعهود وهو التوراة ولما لم يصح عود الضمير إليه ظاهرا لأنه عليه الصلاة و السلام لم يلق عين ذلك الكتاب قيل : الكلام على تقدير مضاف أي لقاء مثله أو على الإستخدام أو إن الضمير راجع إلى القرآن المفهوم منه ولا يخفى ما في كل من البعد والمعنى أنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب ولقيناه من الوحي مثل ما لقيناك من الوحي فلا تكن في شك من إنك لقيت مثله ونظيره وخلاضة ما تؤذن به الفاء التفريعية أن معرفتك بأن موسى عليه السلام أوتى التوراة ينبغي أن تكون سببا لإزالة الريب عنك في أمر كتابك ونهيه علي الصلاة والسلام عن أن يكون في شك المقصود منه نهي أمته صلى الله تعالى عليه وسلم والتعريض بمن أتصف بذلك وقيل : المصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف هو ضميره عليه الصلاة و السلام أي من لقائه إياك ووصوله إليك وفي التعبير باللقاء دون الإيتاء من تعظيم شأنه صلى الله تعالى عليه وسلم ما لا يخفى على المتدبر وقد يقال : إن التعبير به على الوجه السابق مؤذن بالتعظيم أيضا لكن من حيثية أخرى فتدبر
وقيل : الكتاب التوراة وضمير لقائه عائد إليه من غير تقدير مضاف ولا إرتكاب إستخدام ولقاء مصدر مضاف إلى مفعوله وفاعله موسى أي من لقاء موسى الكتاب أو مضاف إلى فاعله ومفعوله موسى أي من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه فالفاء مثلها في قوله : ليس الجمال بمئزر فأعلم وإن رديت بردا دخلت عل ىالجملة المعترضة بدل الواو إهتماما بشأنها وعن الحسن أن ضمير لقائه عائد على ما تضمنه الكلام من الشدة والمحنة التي لقى موسى عليه السلام فكأنه قيل : ولقد آتينا موسى هذا العبء الذي أنت بسبيله فلا تمتر أنك تلقي ما لقى هو من الشدة والمحنة بالناس والجملة إعتراضية ولا يخفى بعده وأبعد منه بمراحل ما قيل : الضمير لملك الموت الذي تقدم ذكره والجملة إعتراضية أيضا بل ينبغي أن يجل كلام الله تعالى عن مثل هذا التخريج وأخرج الطبراني وإبن مردويه والضياء في المختارة بسند صحيح عن إبن عباس أنه قال في الآية : أي من لقاء موسى وأخرج إبن المنذر وغيره عن مجاهد نحوه وأخرج إبن أبي حاتم