كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
عن أبي العالية أنه قال كذلك فقيل له : أو لقى عليه الصلاة و السلام موسى قال : نعم ألا ترى إلى قوله تعالى : وأسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا وأراد بذلك لقاءه صلى الله تعالى عليه وسلم إياه ليلة الإسراء كما ذكر في الصحيحين وغيرهما وروى نحو ذلك عن قتادة وجماعة من السلف وقاله المبردحين أمتحن الزجاج بهذه الآية وكأن المراد من قوله تعالى : فلا تكن في مرية من لقائه على هذا وعده تعالى نبيه عليه الصلاة و السلام بلقاء موسى وتكون الآية نازلة قبل الإسراء والجملة إعتراضية بالفاء بدل الواو كما سمعت آنفا
وجعلها مفرعة على ما قبلها غير ظاهر وبهذا إعترض بعضهم على هذا التفسير وبالفرار إلى الإعراض سلامة من الإعتراض وكأني بك ترجحه على التفسير الأول من بعض الجهات والله تعالى الموفق وجعلناه أي الكتاب الذي آتيناه موسى وقال قتادة أي وجعلنا موسى عليه السلام هدى أي هاديا من الضلالة لبني إسرائيل 32 خصوا بالذكر لما أنهم أكثر المنتفعين به وقيل : لأنه لم يتعبد بما في كتابه عليه الصلاة و السلام ولد إسماعيل صلى الله تعالى عليه وسلم
وجعلنا منهم أئملآ قال قتادة : رؤساء في الخير سوى الأنبياء عليهم السلام وقيل : هم الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل يهدون بقيتهم بما في تضاعيف الكتاب من الحكم والأحكام إلى طريق الحق أو يهدونهم إلى ما فيه من دين الله تعالى وشرائعه عزوجل بأمرنا إياهم بأن يهدوا على أن الأمر واحد الأوامر وهذا على القول بأنهم أنبياء ظاهر وأما على القول بأنهم ليسوا بأنبياء فيجوز أن يكون أمره تعالى إياهم بذلك على حد أمر علماء هذه الأمة بقوله تعالى : ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف الآية
وجوز أن يكون الأمر واحد الأمور والمراد يهدون بتوفيقنا لما صبروا قال قتادة : على ترك الدنيا وجوز غيره أن يكون المراد لما صبروا على مشاق الطاعة ومقاساة الشدائد في نصرة الدين و لما يحتمل أن تكون هي التي فيها معنى الجزاء نحو لما أكرمتني أكرمتك أي لما صبروا جعلنا أئمة ويحتمل أن تكون هي التي بمعنى الحين الخالية عن معنى الجزاء والظاهر أنها حينئذ ظرف لجعلنا أي جعلناهم أئمة حين صبروا وجوز أبو البقاء كونها ظرفا ليهدون
وقرأ عبدالله وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي ورويس لما بكسر اللام وتخفيف الميم على أن اللام للتعليل وما مصدرية أي لصبرهم وهو متعلق بجعلنا أو بيهدون وقرأ عبدالله أيضا بما بالباء السببية وما المصدرية أي بسبب صبرهم وكانوا بآياتنا التي في تضاعيف الكتاب وقيل : المراد بها ما يعم الآيات التكوينية والجار متعلق بقوله تعالى : يوقنون 42 أي كانوا يوقنون بها لإمعانهم فيها النظر لا بغيرها من الأمور الباطلة وهو تعريض بكفرة أهل مكة والجملة معطوفة على صبروا فتكون داخلة في حيز لما وجوز أن تون معطوفة على جعلنا وأن تكون في موضع الحال من ضمير صبروا
والمراد كذلك لنجعلن الكتاب الذي آتينا أو لنجعلنك هدى لأمتك والنجعلن منهم أئمة يهدون مثل تلك الهداية إن ربك هو يفصل اي يقضي بينهم قيل : بين الأنبياء عليهم السلام وأممهم