كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
وقيل : بين المؤمنين والمشركين يوم القيامة فيميز سبحانه بين المحق والمبطل فيما كانوا فيه يختلفون 52 من أمور الدين
أو لم يهد لهم الهمزة للإنكار والواو للعطف على منوي يقتضيه المقام ويناسب المعطوف معنى على ما أختاره غير واحد وفعل الهداية إما من قبيل فلان يعطي في أن المراد إيقاع نفس الفعل بلا ملاحظة المفعول وأما بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل ضمير عائد إلى ما في الذهن ويفسره قوله تعالى : كم أهلكنا من قبلهم من القرون وكم في محل نصب بأهلكنا أي أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم أو ولم يبين لهم مآل أمرهم أو طريق الحق كثرة من أهلكنا أو كثرة إهلاك من أهلكنا من القرون الماضية مثل عاد وثمود وقوم لوط ولا يجوز أن تكون كم فاعلا لصدارتها كما نص على ذلك الزجاج حاكيا له عن البصريين وقال الفراء : كم في موضع رفع بيهد كأنك قلت : أو لم يهد لهم القرون الهالكة فيتعظوا ولا أن يكون محذوفا لأن الفاعل لا يحذف إلا في مواضع مخصوصة ليس هذا منها ولا مضمرا عائدا إلى ما بعد لأنه يلزم عود الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة في غير محل جوازه ولا الجملة نفسها لأنها لا تقع فاعلا على الصحيح إلا إذا قصد لفظها نحو تعصم لا إله إلا الله الدماء والأموال وجوز أن يكون الفاعل ضميره تعالى شأنه لسبق ذكره سبحانه في قوله تعالى : إن ربك إلخ وأيد بقراءة زيد نهد لهم بنون العظمة قال الخفاجي : والفعل بكم عن المفعول وهو مضمون الجملة لتضمنه معنى العلم فلا تغفل
يمشون في مساكنهم أي يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم والجملة حال من ضمير لهم وقيل : من القرون والمعنى أهلكناهم حال غفلتهم وقيل : مستأنفة بيان لوجه هدايتهم
وقرأ إبن السميقع يمشون بالتشديد على أنه تفعيل من المشي للتكثير إن في ذلك أي فيما ذكر من أهلاكنا للأمم الخالية العاتية أو في مساكنهم لآيات عظيمة في أنفسها كثيرة في عددها أفلا يسمعون 62 هذه الآيات سماع تدبر وإتعاظ أو لم يروا الكلام فيه كالكلام في أو لم يهد أي أعموا ولم يشاهدوا إنا نسوق الماء بسوق السحاب الحامل له وقيل : نسوق نفس الماء بالسيول وقيل : بإجرائه في الأنهار ومن العيون إلى الأرض الجرز أي التي جرز نباتها أي قطع إما لعدم الماء وإما لأنه رعى وأزيل كما في الكشاف
وفي مجمع البيان الأرض الجرز اليابسة التي ليس فيها نبات لإنقطاع الأمطار عنها من قولهم : سيف جراز أي قطاع لا يبقى شيئا إلا قطعه وناقة جراز إذا كانت تأكل كل شيء فلا تبقي شيئا إلا قطعته بفيها ورجل جروز أي أكول قال الراجز :
خب جروز وإذا جاع بكى
وقال الراغب : الجرز منقطع النبات من أصله وأرض مجروزة أكل ما عليها وفي مثل لا ترضي شائنة إلا بجروزة أي بالإستئصال والجارز الشديد من السعال تصور منه معنى الجرز وهو القطع بالسيف مما قاله أن الجرز يطلق على ما أنقطع نباته لكونه ليس