كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
من شأنه الإنبات كالسباخ وهو غير مناسب هنا لقوله تعالى : فنخرج به زرعا والظاهر أن المراد الأرض المتصفة بهذه الصفة أي أرض كانت وأخرج إبن أبي حاتم عن الحسن أنها قرى بين اليمن والشام
وأخرج هو وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي شيبة عن إبن عباس أنها أرض باليمن وإلى عدم التعيين ذهب مجاهد أخرج عنه جماعة أنه قال : الأرض الجرز هي التي لا تنبت وهي أبين ونحوها من الأرض وقريء الجرز بسكون الراء وضمير به للماء والكلام على ظاهره عند السلف الصالح وقالت الأشاعرة : المراد فنخرج عنده والزرع في الأصل مصدر وعبر به عن المزروع والمراد به ما يخرج بالمطر مطلقا فيشمل الشجر وغيره ولذا قال سبحانه : تأكل منه أي من ذلك الزرع أنعامهم كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها وأنفسهم كالبقول والحبوب التي يقتاتها الإنسان وفي البحر يجوز أن يراد بالزرع النبات المعروف وخص بالذكر تشريفا له ولأنه اعظم ما يقصد من النبات ويجوز أن يراد به النبات مطلقا وقدم الأنعام لأن إنتفاعها مقصور على ذلك والإنسان قد يتغذى بغيره ولأن أكلها منه مقدم لأنها تأكله قبل أن يثمر ويخرج سنبله وقيل ليترقى من الأدنى إلى الأشرف وهم بنو آدم
وقرأ أبو حيوة وأبو بكر في رواية يأكل بالياء التحيتة أفلا يبصرون 72 أي ألا يبصرون فلا يبصرون ذلك ليستدلوا به على كمال قدرته تعالى وفضله عزوجل وجعات الفاصلة هنا يبصرون لأن ما قبله مرئي وفيما قبله يسمعون لأن ما قبله مسموع وقيل : ترقيا إلى الأعلى في الإتعاظ مبالغة في التذكير ورفع العذر
وقرأ إبن مسعود تبصرون بالتاء الفوقية ويقولون على وجه التكذيب والإستهزاء متى هذا الفتح أي الفصل للخصومة بينكم وبيننا وكأن هذا متعلق بقوله تعالى : إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون وقيل : أي النصر علينا أخرج إبن جرير وإبن أبي حاتم عن قتادة قال : قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم إن لنا يوما يوشك أن نستريح فيه وننتقم فيه فقال المشركون : متى هذا الفتح إلخ فنزلت ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين 82 أي في أن الله تعالى هو يفصل بين المحقين والمبطلين وقيل : في أن الله تعالى ينصركم علينا
قل تبكيتا لهم وتحقيقا للحق يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون 92 أخرج الفريابي وإبن أبي شيبة وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم عن مجاهد قال : يوم الفتح يوم القيامة وهو كما في البحر منصوب بلا ينفع والمراد بالذين كفروا إما أولئك القائلون المستهزئون فالإظهار في مقام الإضمار لتسجيل كفرهم وبيان علة الحكم وإما ما يعمهم وغيرهم وحينئذ يعلم حكم أولئك المستهزئين بطريق برهاني والمراد من قوله تعالى : ولا هم ينظرون إستمرار النفي والظاهر أن الجملة عطف على لا ينفع إلخ والقيد معتبر فيها وظاهر سؤالهم بقولهم متى هذا الفتح يقتضي الجواب بتعيين اليوم المسؤل عنه إلا أنه لما كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح إستعجالا منهم على وجه التكذيب والإستهزاء أجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم فكأنه قيل لهم : لا تستعجلوا به ولا تستهزؤا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان وأستنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا وهذا قريب من الأسلوب الحكيم