كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
وهم لا يستكبرون إشارة إلى حال كاملي الإيمان وعلو شأن السجود والتسبيح والتحميد والتواضع لعظمته عزوجل تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا إشارة إلى سهرهم في مناجاة محبوبهم وملاحظة جلاله وجماله وفي قوله : ومما رزقناهم أي من المعارف وأنواع الفيوضات ينفقون إشارة إلى تكميلهم للغير بعد كمالهم في أنفسهم وذكر القوم أن العذاب الأدنى الحرص على الدنيا والعذاب الأكبر العذاب على ذلك
وقال بعضهم : الأول التعب في طلب الدنيا والثاني شتات السر وقيل : الأول حرمان المعرفة والثاني الإحتجاب عن مشاهدة المعروف وقيل : الأول الهوان والثاني الخذلان وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون فيه إشارة إلى ما ينبغي أن يكون المرشد عليه من الأوصاف وهو الصبر على مشاق العبادات وأنواع البليات وحبس النفس عن ملاذ الشهوات والإيقان بالآيات فمن يدعى الإرشاد وهو غير متصف بما ذكر فهو ضال مضلل فأعرض عنهم وأنتظر أنهم منتظرون فيه إشارة إلى أنه ينبغي الإعراض عن المنكرين المستهزئين بالعارفين والسالكين إذا لم ينجع فيهم الإرشاد والنصيحة وإلى أنهم هالكون لا محالة فإن الإنكار الذي لا يعذر صاحبه سم قاتل وسهم هدفه المقاتل نوعذ بالله تعالى من الحور بعد الكور بحرمة حبيبه الأكرم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم
سورة الأحزاب
33 - أخرج البيهقي في الدلائل وغيره عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : نزلت سورة الأحزاب بالمدينة وأخرج إبن مردويه عن إبن الزبير مثله وهي ثلاث وسبعون آية قال الطبرسي بالإجماع وقال الداني هذا متفق عليه وأخرج عبدالرزاق في المصنف والطيالسي وسعيد بن منصور وعبدالله بن أحمد في زوائد المسند والنسائي والحاكم وصححه والضياء في المختارة وآخرون عن زر بن حبيش قال : قال لي أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه كائن تقرأ سورة الأحزاب أو كائن تعدها قلت : ثلاثا وسبعين آية فقال : أقط لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم فرفع فيما رفع وأراد رضي الله تعالى عنه بذلك النسخ وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أن ذلك ضاع بأكل الداجن من غير نسخ كذا في الكشاف
وأخرج أبو عبيد في الفضائل وإبن الأنباري وإبن مردويه عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان رضي الله تعالى عنه المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن وهو ظاهر في الضياع من القرآن ومقتضى ما سمعت أنه موضوع والحق أن كل خبر ظاهره ضياع شيء من القرآن أما موضوع أو مؤول ووجه إتصالها بما قبلها على ما قال الجلال السيوطي تشابه مطلع هذه ومقطع تلك فإن تلك ختمت بأمر النبي بالإعراض عن الكافرين وإنتظار عذابهم وهذه بدئت بأمره عليه الصلاة و السلام بالتقوى وعدم طاعة الكافرين والمنافقين وإتباع ما أوحى إليه والتوكل عليه عزوجل حيث قال سبحانه وتعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ياأيها النبي أتق الله ناداه جل وعلا بوصفه عليه الصلاة