كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

والسلام دون أسمه تعظيما له وتفخيما قال في الكشاف إنه تعالى جعل نداءه من بين الأنبياء عليهم السلام بالوصف كرامة له عليه الصلاة و السلام وتشريفا وربا بمحله وتنويها بفضله وأوقع أسمه في الأخبار في قوله تعالى : محمد رسول الله وما محمد إلا رسول لتعليم الناس بأنه رسول وتلقين لهم أن يسموه بذلك ويدعوه به فلا تفاوت بين النداء والأخبار ألا ترى إلى ما لم يقصد به التعليم والتلقين من الأخبار كيف ذكره تعالى بنحو ما ذكره في النداء كما في قوله تعالى : لقد جاءكم رسول من أنفسكم وقال الرسول يارب النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم إلى غير ذلك
وتعقبه في الكشف بأن أمر التعليم والتلقين في قوله تعالى محمد رسول الله ظاهر أما في قوله تعالى وما محمد إلا رسول فلا على أن قوله تعالى : وآمنوا بما نزل على محمد ينقض ما بناه نعم النداء يناسب التعظيم وربما يكون نداء سائر الأنبياء عليهم السلام في كتبهم أيضا على نحو منه وحكى في القرآن بأسمائهم دفعا للإلباس والأشبه أنه لما قل ذكره صلى الله تعالى عليه وسلم بأسمه دل على أنه أعظم شأنا صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعليهم أجمعين وفيه نظر
وأختار الطيبي طيب الله تعالى ثراه أن النداء المذكور هنا للإحتراس وجبر ما يوهمه الأمر والنهي كقوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم وظاهر سياق ما بعد أن المعنى بالأمر بالتقوى هو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا أمته كما قيل في نظائره والمقصود الدوام والثبات عليها وقيل : الأزدياد منها فإن لها بابا وأسعار وعرضا عريضا لا ينال مداه ولا تطع الكافرين أي المجاهرين بالكفر والمنافقين المضمرين لذلك فيما يريدون من الباطل أخرج إبن جرير عن الضحاك عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : إن أهل مكة منهم الوليد إبن المغيرة وشيبة بن ربيعة دعوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه فنزلت وذكر الثعلبي والواحدي بغير إسناد أن أبا سفيان إبن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه عليه الصلاة و السلام في زمان الموادعة التي كانت بينه صلى الله تعالى عليه وسلم وبينهم وقام معهم عبدالله بن أبي ومعتب بن قشير والجد بن قيس فقالوا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أرفض ذكر آلهتنا وقل : إنها تشفع وتنفع وندعك وربك فشق ذلك على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين وهموا بقتلهم فنزلت وقيل : نزلت في ناس من ثقيف قدموا على رسول الله فطلبوا منه عليه الصلاة و السلام أن يمتعهم باللات والعزى سنة قالوا : لتعلم قريش منزلتنا منك ولا يبعد أن يكون المراد بالنهي الثبات على عدم الإطاعة وذكره بعد الأمر بالتقوى المراد منه الثبات عليها على ما قيل من قبيل التخصيص بعد التعميم لإقتضاء المقام الإهتمام به وقيل : من قبيل التأكيد وقيل : متعلق كل من التقوى والإطاعة مغاير للآخر على ما روى الواحدي والثعلبي والمعنى أتق الله تعالى في نقض العهد ونبذ الموادعة ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا منك من رفض ذكر آلهتهم وقولك : إنها تشفع وتنفع وكأنه إنما قدم الأمر بتقوى الله تعالى في نقض العهد لما أن المؤمنين قد هموا بما يقتضيه بخلاف الإطاعة المنهي عنها فإنها مما لم يهم بما يقتضيها أحد أصلا فكان الإهتمام بالأمر أتم من الإهتمام بذلك النهي إن الله كان عليما حكيما 1 مبالغا في العلم والحكمة فيعلم الأشياء من المصالح والمفاسد فلا يأمرك إلا بما فيه

الصفحة 143