كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

مصلحة ولا ينهاك إلا عما فيه مفسدة ولا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة البالغة فالجملة تعليل للأمر والنهي مؤكد لوجوب الإمتثال بها
وقيل : المعنى إن الله كان عليما بمن يتقي فيجازيه بما يليق به حكيما في هدى من شاء وإضلال من شاء فالجملة تسلية له صلى الله تعالى عليه وسلم وليس بشيء وقوله تعالى : وأتبع ما يوحى إليك من ربك عطف على ما تقدم من قبيل عطف العام عل ىالخاص أي أتبع في كل ما نأتي وتذر من أمور الدين ما يوحى إليك من الآيات التي من جملتها هذه الآية الآمرة بتقوى الله تعالى الناهية عن إطاعة الكفرة والمنافقين والتعرض لعنوان الربوبية لتأكيد وجوب الإمتثال بالأمر إن الله كان بما تعملون خبيرا 2 قيل : الخطاب للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والجمع للتعظيم وقال أبو البقاء : إنما جاء بالجمع لأنه عني بقوله تعالى : أتبع ما يوحى إلخ أتبع أنت ؤأصحابك وقيل : للغائبين من الكفرة المنافقين وبطريق الإلتفات ولا يخفى بعده نعم يجوز أن يكون للكل على ضرب من التغليب وأياما كان فالجملة تعليل للأمر وتأكيد لموجبه فكأنه قيل على الأول : إن الله تعالى يعلم بما تعمل فيرشدك إلى ما فيه الصلاح فلا بد من إتباع الوحي والعمل بمقتضاه حتما وعلى الثاني أن الله تعالى خبير بما يعمل الكفرة والمنافقون من الكيد والمكر فيأمرك سبحانه بما يدفعه فلا بد من إتباع ما يوحيه جل وعلا إليك وعلى الثالث أن الله تعالى خبير بما تعمل ويعمل الكفرة والمنافقون فيرشدك إلى ما فيه صلاح حالك ويطلعك على كيدهم ومكرهم ويأمرك جل شأنه بما يدفع ذلك ويرده فلا بد من إتباع وحيه تعالى والعمل بموجبه وقرأ أبو عمر و يعملون بياء الغيبة على أن الضمير للكفرة والمنافقين
وجوز كونه عاما فلا تغفل وتوكل على الله أي فوض جميع أمورك إليه عزوجل وكفى بالله وكيلا 3 حافظا موكولا إليه كل الأمور والإظهار في مقام الإضمار للتعظيم ولتستقل الجملة إستقلال المثل
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه أخرج أحمد والترمذي وحسنه وإبن جرير وإبن المندر وإبن أبي حاتم والحاكم وصححه وإبن مردويه والضياء في المختارة عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يوما يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترى أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فنزلت وفي رواية عنه رضي الله تعالى عنه صلى رسول الله تعالى عليه وسلم صلاة فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فأكثروا فقالوا : إن له قلبين ألم تسمعوا إلى قوله وكلامه في الصلاة إن له قلبا معكم وقلبا مع أصحابه فنزلت وقال مقاتل في تفسيره وإسماعيل بن أبي زياد الشامي وغيرهما : نزلت في أبي معمر الفهري كان أهل مكة يقولون : له قلبان من قوة حفظه وكانت العرب تزعم أن كل لبيب أريب له قلبان حقيقة وأبو معمر هذا أشتهر بين أهل مكة بذي القلبين وهو على ما في الإصابة جميل بن أسيد مصغر الأسد وقيل : إبن أسد مكبرا وسماه إبن دريد عبدالله بن وهب وقيل : إن ذا القلبين هو جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة إبن جمح الجمحي وهو المعنى بقوله : وكيف ثوائي البيت وقد تقدم في تفسيره سورة لقمان والمعول على ما في الإصابة وحكى أنه كان يقول : إن لي قلبين أفهم بأحدهما

الصفحة 144