كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
يحجزه علمه عن كل ما يبيحه العلم الظاهر وهذا هو المؤيد عقله بأنوار العلم اللدني إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ذكر أن حقيقة الصلاة حضور القلب بنعت الذكر والمراقبة بنعت الفكر فالذكر في الصلاة يطرد الغفلة التي هي الفحشاء والفكر يطرد الخواطر المذمومة وهي المنكر هذا في الصلاة وبعدها تنهى هي إذا كانت صلاة حقيقية وهي التي أنكشف فيها لصاحبها جمال الجبروت وجلال الملكوت وقرت عيناه بمشاهدة أنوار الحق جل وعلأ عن رؤية الأعمال والأعواض وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : الصلاة إذا كانت مقبولة تنهى عن مطالعات الأعمال والأعواض ولذكر الله أكبر قال إبن عطاء : أي ذكر الله تعالى لكم أكبر من ذكركم له سبحانه لأن ذكره تعالى بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني والسؤال وأيضا ذكره تعالى صفته وذكركم صفتكم ولا نسبة بين صفة الخالق جل شأنه وبين صفة المخلوق وأين التراب من رب الأرباب بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم فيه إشارة إلى أن عرائس حقائق القرآن لا تنكشف إلا لأرواح المقربين من العارفين والعلماء الربانيين لأنها أماكن أسرار الصفات وأوعية لطائف كشوف الذات قال الصادق على آبائه وعليه السلام : لقد تجلى الله تعالى في كتابه لعباده ولكن لا يبصرون ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فأعبدون قال سهل : إذا عمل بالمعاصي والبدع في أرض فأخرجوا منها إلى أرض المطيعين وكأن هذا لئلا تنعكس ظلمة معاصي العاصين على قلوب الطائعين فيكسلوا عن الطاعة وذكروا أن سفر المريد سبب للتخلية والتحلية وإليه الإشارة بما أخرجه الطبراني والقضاعي والشيرازي في الألقاب والخطيب وإبن النجار والبيهقي عن إبن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : سافروا تصحوا وتغنموا كل نفس ذائقة الموت فلا يمنعنكم خوف الموت من السفر وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم فلا يمنعنكم عنه فقد الزاد أو العجز عن حمله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا قال إبن عطاء : أي الذين جاهدوا في رضانا لنهدينهم إلى محل الرضا والمجاهدة كما قال : الإفتقار إلى الله تعالى بالإنقطاع عن كل ما سواه وقال بعضهم : اي الذين شغلوا ظواهرهم بالوظائف لنوصلن أسرارهم إلى اللطائف وقيل : أي الذين جاهدوا نفوسهم لأجلنا وطلبا لنا لنهدينهم سبل المعرفة بنا والوصول إلينا ومن عرف الله تعالى عرف كل شئ ومن وصل إليه هان عنده كل شيء كان عبدالله بن المبارك يقول : من أعتاصت عليه مسئلة فليسأل أهل الثغور عنها لقوله تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وجهاد النفس هو الجهاد الأكبر نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى والحفظ التام من كل شر بحرمة حبيبه سيد البشر صلى الله تعالى عليه وسلم
سورة الروم
03 - مكية كما روى عن إبن عباس وإبن الزبير رضي الله تعالى عنهم بل قال إبن عطية : وغيره : لا خلاف في مكيتها ولم يستثنوا منها شيئا وقال الحسن : هي مكية إلا قوله تعالى : فسبحان الله حين تمسون الآية وهو خلاف مذهب الجمهور والتفسير المرضى كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه وآيها ستون وعند بعض تسع وخمسون ووجه إتصالها بالسورة السابقة على ما قاله الجلال السيوطي إنها ختمت بقوله تعالى : والذين