كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأفتتحت هذه بوعد من غلب من أهل الكتاب بالغلبة والنصر وفرح المؤمنين بذلك وأن الدولة لأهل الجهاد فيه ولا يضرهم ما وقع لهم قبل ذلك من هزيمة هذا مع تواخيها لما قبلها في الإفتتاحبالم ولا يخفى أن قتال أهل الكتاب ليس من المجاهدة في الله عزوجل وبذلك تضعف المناسبة ومن وقف على أخبار سبب النزول ظهر له أن ما أفتتحت به هذه السورة متضمنا نصرة المؤمنين بدفع شماتة أعدائهم المشركين وهم لم يزالوا مجاهدين في الله تعالى ولأجله ولوجهه عزوجل ولا يضر عدم جهادهم بالسيف عند انزول وهذا في المناسبة أوجه فيما أرى من الوجه الذي ذكره الجلال فتأمل
بسم الله الرحمن الرحيم ألم 1 الكلام فيه كالذي مر في أمثاله من الفواتح الكريمة غلبت الروم 2 هي قبيلة عظيمة من ولد رومي بن يونان بن علجان بن يافث نوح عليه السلام وقيل : من ولد يافان بن يافث وقيل : من ولد رعويل بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وقال الجوهري : من ولد روم بن عيص المذكور صارت لها وقعة مع فارس على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فغلبتها وقهرتها فارس في أدنى الأرض أي أقربها
والمراد بالأرض أرض الروم على أن أل نائبة مناب الضمير المضاف إليه والأقربية بالنظر إلى أهل مكة لأن الكلام معهم أو المراد بها أرض مكة ونواحيها لأنها الأرض المعهودة عندهم والأقربية بالنظر إلى الروم أو المراد بالأرض أرض الروم لذكرهم والأقربية بالنظر إلى عدوهم أعني فارس لحديث المغلوبية وقد جاء من طرق عديدة أن الحرب وقع بين أذرعات وبصرى وقال إبن عباس والسدي : بالأردن وفلسطين وقال مجاهد : بالجزيرة يعني الجزيرة العمرية لا جزيرة العرب وجعل كل قول موافقا لوجه من الأوجه الثلاثة على الترتيب وصحح إبن حجر القول الأول
وقرأ الكلبي في أداني الأرض وهم أي الروم من بعد غلبهم أي غلب فارس إياهم على أنه مصدر مضاف إلى مفعوله أو إلى نائب فاعله إن كان مصدرا لمجهول ورجحه بعضهم بموافقته للنظم الجليل
وقرأ علي كرم اله تعالى وجهه وإبن عمر رضي الله تعالى عنهما ومعاوية بن قرة غلبهم بسكون اللام وعن أبي عمرو أنه قرأ غلابهم على وزن كتاب والكل مصادر غلب والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى : سيغلبون 3 وفي ذلك تأكيد لما يفهم من السين ولكون مغلوبهم من كان غالبهم وفي بناء الجملة على الضمير تقوية للحكم أي سيغلبون فارس البتة وقوله تعالى : في بضع سنين متعلق بسيغلبون أيضا
والبضع ما بين الثلاث إلى العشرة عن الأصمعي وفي المجمل ما بين الواحد : إلى التسعة وقيل : هو ما فوق الخمس دون العشر وقال المبرد : ما بين العقدين في جميع الأعداد روى أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى فغلبوا عليهم فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة فشق ذلك عليهم وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم وفرح الكفار بمكة وشمتوا فلقوا أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا : إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب وقد يظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم الله فأنزل الله تعالى ألم غلبت الروم الآيات فخرج أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى الكفار فقال : أفرحتم بظهور إخوانكم