كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتتابعن كلهن على ذلك فلما خيرهن واخترن الله عزوجل ورسوله عليه الصلاة و السلام والدار الآخرة شكرهن الله جل شأنه على ذلك اذ قال سبحانه : لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن فقصره الله تعالى عليهن وهن التسع اللاتي أخترن الله عز و جل ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم
واخرج إبن سعد عن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده أنه صلى الله تعالى عليه وسلم خير نساءه فأخترن جميعا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة و السلام غير العامرية أختارت قومها فكانت بعد تقول : أنا الشقية وكانت تلقط البعر وتبيعه وتستأذن على أزواج النبي فتقول : أنا الشقية
وأخرج أيضا عن إبن جناح قال : أخترنه جميعا غير العامرية كانت ذاهبة العقل حتى ماتت وجاء في بعض الروايات عن إبن جبير غير الحميرية وهي العامرية وكان هذا التخيير كما روى عن عائشة وأبي جعفر بعد أن هجرهن عليه الصلاة و السلام شهرا تسعة وعشرين يوما وفي البحر أنه لما نصر الله تعالى نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ورد عنه الأحزاب وفتح عليه النضير وقريظة ظن أزواجه عليه الصلاة و السلام أنه أختص بنفائس اليهود وذخائرهم فقعدن حوله وقلن : يارسول الله بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل والإماء والخول ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق وآلمن قلبه الشريف عليه الصلاة و السلام بمطالبتهن له بتوسعة الحال وأن يعاملهن بما تعامل به الملوك وأبناء الدنيا أزواجهم فأمره الله تعالى بأن يتلو عليهن ما نزل في أمرهن وما أحسن موقع هذه الآيات على هذا بعد إنتهاء قصة الأحزاب وبني قريظة كما لا يخفى ويفهم من كلام الإمام أنها متعلقة بأول السورة وذلك أن مكارم الأخلاق منحصرة في شيئين التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلقه عزوجل فبدأ سبحانه بإرشاد حبيبه عليه الصلاة و السلام إلى ما يتعلق بجانب التعظيم له تعالى فقال سبحانه : ياأيها النبي أتق الله إلخ ثم أرشده سبحانه إلى ما يتعلق بجانب الشفقة وبدأ بالزوجات لأنهن أولى الناس بذلك وقدم سبحانه الشرطية المذكورة على قوله تعالى : وإن كنتن تردن الله ورسوله إلخ لأن سبب النزول ما سمعت
وقال الإمام : إن التقديم إشارة إلى أن النبي غير ملتفت إلى الدنيا ولذاتها غاية الإلتفات وذكر أن في وصف السراح بالجميل إشارة إلى ذلك أيضا ومعنى إن كنتن تردن الله ورسوله إن كنتن تردن رسول الله وإنما ذكر الله عزوجل للإيذان بجلالة محله عليه الصلاة و السلام عنده تعالى والدار الآخرة أي نعيمها الباقي الذي لا قدر عنده للدنيا وما فيها فإن الله أعد أي هيأ ويسر للمحسنات منكن بمقابلة إحسانهن أجرا لا تحصي كثرته عظيما 92 لا تستقصي عظمته و من للتبيين لأن كلهن كن محسنات
وقيل : ويجوز فيه التبعيض على أن المحسنات المختارات لله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وإختيار الجميع لم يعلم وقت النزول وهو على ما قال الخفاجي عليه الرحمة بعيد وجواب إن في الظاهر ما قرن بالفاء إلا أنه قيل الماضي فيه بمعنى المضارع الدال على الإستقبال والتعبير به دونه لتحقق الوقوع وقيل : الجواب محذوف نحو تثبن أو تتلن خبرا وما ذكر دليله وتجريد الشرطية الأولى عن الوعيد للمبالغة في تحقيق معنى

الصفحة 182